المخابرات المغربية وحروبها السريّة على الجزائر (5)
حقوق الإنسان في مزادات المخزن
الحلقة الخامسة بقلم: أنور مالك
يعتبر ملف حقوق الإنسان من أعقد الملفات التي تواجه المخزن وخاصة في الصحراء الغربية، فكل التقارير المختصة في هذا الشأن، تجمع على إدانة ما يقترفه المغرب من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية التي وقع عليها، ويتجاوز ما تعهد به أمام المنظومة الدولية. أكدت أن المغرب يستهدف الصحراويين باعتقالات تعسفية وعشوائية وتهم ملفّقة تطال كل من يوالي جبهة البوليزاريو، كما أنها تستهدف النشطاء الحقوقيين بتهم مفبركة وتوقيفات متوالية.
المحاكمات غير عادلة، وهي سياسية بحتة وتخضع لإملاءات فوقية من طرف جهاز المخابرات، ويلجأ هذا الجهاز إلى ابتزاز الموقوفين من أجل توريطهم في مراجعة مواقفهم السياسية، سواء عن طريق الإغراء بالأموال والحرية والنفوذ والمناصب، أو التهديد بالتصفية الجسدية والوعيد بأحكام قاسية تجعل هذا الناشط يقضي عمره كاملا في السجون. أو تحت الإكراه بتوقيع محاضر مزورة عليها تصريحات ملفقة لا أساس لها.
ويتعرض الصحراويون في سجون المملكة إلى التعذيب والضرب والإهانة وحتى الاعتداءات الجنسية، كما أن مخافر الشرطة ترفض إجراء اختبارات طبية للكشف عن آثار ما اقترف في حق الموقوفين، هذا من دون أن نتجاهل ما يحدث في السجون من تعذيب وضرب واعتداءات وحرمان من أدنى الحقوق الآدمية التي تطال الصحراويين أو المساجين الإسلاميين، بل أن لدى حراس السجون تعليمات تقضي بالاحتراس من خطر الصحراويين الذي هو أكبر من أولئك المعتقلين في قضايا الإرهاب أو حتى التفجيرات.
هذا فضلا عن السجون السرية الأمريكية التي كشفت عنها دراسة دولية أنجزها محققون ونقلت البعض منها صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" الألمانية في عددها الصادر في 08/03/2010 . كما لا يمكن أن نتجاهل أشرطة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي أظهرت المتهم في هجمات11سبتمبر2001، رمزي بن شيبة، وهو يخضع للاستنطاق في أحد السجون السرية بالمغرب عام 2002 .
من جهة أخرى تعمل المخابرات المغربية، كثيرا جدا، وفي حالات لا تحصى ولا تعد، على ملاحقة المعارضين بتهم لا أساس لها، وغالبا ما تتعلق بالحق العام كالسياقة في حالة سكر، إهانة هيئة نظامية، الاعتداء على رجال الأمن، التحرش الجنسي، السرقة، النصب والاحتيال.. الخ، وطبعا يختلق لهم ضحايا ويكونون دائما من المستوطنين المغاربة، أو ممن يعملون لحساب الجهاز في الصحراء الغربية، والذين يصفهم الصحراويون بالمرتزقة. وهذه التهم التي تتعلق بالحق العام هي مناورة مخابراتية من أجل أن لا يكون هؤلاء المعتقلين سجناء رأي، وهو الذي يسبب المتاعب للسلطات المغربية مع منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.
يتعرض الصحراويون في سجون المملكة إلى التعذيب والضرب والإهانة وحتى الاعتداءات الجنسية، كما أن مخافر الشرطة ترفض إجراء اختبارات طبية للكشف عن آثار ما اقترف في حق الموقوفين.
يمارس المغرب أيضا الطرد والإبعاد للصحراويين من أراضيهم ومصادرتها بقرارات السلطات الأمنية، أو يجري الاحتيال عليهم في ممتلكاتهم بشهود زور ووثائق مفبركة وبتواريخ رجعية، وهذا من أجل تمكين المستوطنين المغاربة كما يطلق عليهم هناك، من امتلاك عقارات في الصحراء حتى يخلط ورق الأمم المتحدة مستقبلا إن أجبرت الرباط على استفتاء تقرير المصير. أما الإبعاد من التراب فتعتبر أميناتو حيدار من أشهر مناضلي حقوق الإنسان الذين تم طردهم، وقد تعرضت أميناتو إلى ذلك في نوفمبر 2009 وأثارت قضيتها زوبعة عالمية وضعت المخزن في موقف حرج، لم يجد من حل سوى الرضوخ وإقالة بعض المسؤولين لذرّ الرماد في العيون.
إلى جانب ما ذكرنا فالتقارير الحقوقية التي توصلت بها مؤخرا، أو من خلال معاينتي للواقع في منطقة الداخلة، فقد وقفت على إجراءات صارمة وقمعية يمارسها الأمن المغربي وهذا من أجل الحدّ من حرية التجمهر والتظاهر السلمي والإضرابات، وهذا الذي يناقض المادة21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما تعرقل المخابرات تكوين جمعيات حقوقية في الصحراء الغربية، وهو ما يخالف المادة 22 من العهد الدولي وأيضا الفصل التاسع من الدستور المغربي، ونذكر في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر، منع "تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان" في 07/10/2007، بل إن "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" والمعترف بها يتعرض فرعها في مدينة العيون لمضايقات مختلفة، من أجل إعاقة عملها في الوصول إلى الملفات السوداء التي تزخر بها المنطقة الجريحة.
حتى الصحفيون والمراقبون الدوليون الأجانب الذين يتابعون قضية الصحراء الغربية، يتعرضون إلى عراقيل كثيرة تعيق عملهم، كما أن المخابرات تعمل على تضليلهم حتى يتم توجيههم نحو ما يخدم أطروحة المغرب، وهذا الذي جعلهم ينتفضون ضدي لما نشرت تحقيقي عن منطقة الداخلة. ونذكر أن السلطات أقدمت على طرد وفد حقوقي فرنسي في 25/04/2008، منعت أيضا بعثة تقصّي الحقائق في البرلمان الأوروبي أواخر 2005 . أيضا اعتدت على مواطنين إسبان تضامنوا مع الصحراويين في العيون في أوت الماضي وإعتقلتهم ثم رحلتهم إلى بلادهم. ويندى الجبين لما يجري في حق حرية التعبير والعمل النقابي والصحافة... الخ.
للمغرب كتاب أسود فيما يتعلق بحقوق الإنسان سواء في الصحراء الغربية أو حتى في التراب المغربي، ولا يمكن حصره في مقال، لأن القضية تحتاج إلى مؤلفات مستقلة، ويوجد الكثيرون ممن كتبوا في هذا الأمر، والملفات التي تقدمها جبهة البوليزاريو إلى الأمم المتحدة تحتاج إلى وقفات لا تنتهي، لأنها ملفات موثقة وثابتة لا تحتاج إلى أدنى مراوغة.
وبسبب ذلك تعمل المخابرات المغربية في هذا الإطار على عدة أطر نحاول أن نتحدث عن بعضها في هذه المتابعة المختصرة.
1 - محاولات كسب ودّ المنظمات الدولية بالكذب والملفات المزورة:
تنشط المخابرات المغربية كثيرا من أجل كسب ودّ المنظمات الحقوقية الدولية وغير الحكومية، وخاصة تلك المهتمة بشؤون الصحراء الغربية، وقد كشفت لي شخصيات معروفة لا يمكن أن نبوح باسمها، من أن المغرب حاول استدراجهم مرارا وتكرارا سواء عن طريق الإغراءات المالية أو من خلال قضايا مشبوهة وملفات غامضة، أو من خلال محاولة دسّ عملاء بينهم يظهرون للناس أنهم معارضون للنظام المغربي وأنهم نشطاء حقوقيون يتعرضون للمضايقات في محلات إقامتهم، وفي الأصل هم يؤدون مهمات لصالح جهازهم.
عندما أخفق الجهاز في الوصول لغايته، لجأ إلى التقارير الكاذبة والملفات المزوّرة التي ترسل بقنوات مختلفة إلى منظمات حقوقية بارزة من أجل توجيهها أو مغالطتها، وتوريطها في ما يشيد بالمغرب ويدين الجزائر وجبهة البوليزاريو في آن واحد.
وعندما أخفق الجهاز في الوصول لغايته، لجأ إلى التقارير الكاذبة والملفات المزوّرة التي ترسل بقنوات مختلفة إلى منظمات حقوقية بارزة من أجل توجيهها أو مغالطتها، وتوريطها في ما يشيد بالمغرب ويدين الجزائر وجبهة البوليزاريو في آن واحد، بل تدخّلوا أحيانا في شؤون الداخلية للجزائر.
2 - الرهان على حقوق الإنسان في المخيمات:
كما ذكرنا سابقا أن أخطر ما يواجه المخزن اليوم هو الملف الحقوقي في الصحراء الغربية، وخاصة أن الانتهاكات قائمة وبأساليب لا يمكن تخيلها، وهي ثابتة من خلال الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل خارج أطر القانون والاغتيالات والقمع ومناهضة حرية التعبير.. الخ. ومن أجل تخفيف العبء المسلط على رقبة المخزن، تعمل منذ فترة على محاولة إبراز المخيمات كمنطقة سوداء تنتهك فيها حقوق الإنسان، أقول هذا من أجل رفع العبء في الداخل الصحراوي، وأيضا من أجل محاولة جعل المجتمع الدولي يضغط حتى تفكك هذه المخيمات التي بدورها من أعقد ما يواجه الأمم المتحدة والقانون الدولي، لأن وجود لاجئين ومنذ أكثر من 35 عاما ومن دون وضع حدّ لأسباب لجوئهم هو جريمة دولية بامتياز، ولا يمكن استمرارها إلا بحلّها وفق أطر إنسانية وقانونية ودولية، ومادام المغرب هو من يتحمل المسؤولية الجنائية في هذا الشأن سيلعب على أوتار حلول شكلية لأجل المطالبة بحلّ المخيمات أو إعادة توطين اللاجئين في الجزائر أو بلد أخرى، أو حتى ترحيلهم جماعيا إلى ما يصفه المخزن "الوطن الأم" وكأن واقع الصحراويين في الداخل هو في أحسن الظروف، بل بالعكس أن ما يواجهونه يندى له الجبين ويجعل أسباب اللجوء قائمة ومستمرة بالرغم من توقيف الحرب بين المملكة والبوليزاريو، وهذا الذي وقفت عليه بنفسي ولم ينقل لي كما يجري مع الآخرين.
نرى أن المغرب خاصة في السنوات الأخيرة يحاول التركيز على حقوق الإنسان في المخيمات، وهذا بإقامة ملتقيات وندوات وبرامج تلفزيونية وإذاعية وتقارير صحيفة وحقوقية، وكلها تدين البوليزاريو من أنها تنتهك حقوق الصحراويين، ويحمّل الجزائر كل المسؤولية. بل يلجأ المخزن أيضا لفتح ملفات الأسرى المغاربة السابقين لدى الجبهة وذلك بنشر شهاداتهم في الكتب ووسائل الإعلام. كما أن خبراء المخزن يروجون كثيرا لما يسمى بالسجون السرية في تندوف. لم يقتصر الأمر على ذلك بل انتشرت أنباء هنا وهناك على العبودية والمتاجرة بالأطفال ومتابعات أخرى تتعلق بالأعراض والشرف... الخ. وهذا كله سعي مخابراتي من أجل توجيه الأنظار الحقوقية وشغلها بشأن تندوف، حتى يخفف الأمر على ما يقترف في حق الصحراويين في الداخل، فضلا من أن اللاجئين هم القنبلة الموقوتة في عنق المملكة المغربية.
ومن اجل إعطاء بعض المصداقية لهذه الأساطير المخزنية، تركز المخابرات على ما تطلق عليه "شهادات العائدين للوطن" في إطار ما يعرف بـ "الوطن غفور رحيم"! . هؤلاء ممن يصورهم المغرب على أنهم إنجاز وطني وهو في الحقيقة مجرد صفقات تقع بين محتاجين وأحيانا مع مواطنين من البدو الرحل في الصحراء القاحلة وأعماقها، ممن يتم تقديهم للرأي العام على أنهم فرّوا من "جحيم" تندوف. والمتتبع لندوات بعضهم يجدها موجهة نحو تصوير المغرب من أنه جنة وفردوس وأنهم أيضا يرددون ما لقّن لهم على مدار أسابيع يخضعون فيها لغسيل المخ، هذا من أجل الإجماع على إضفاء المصداقية على الملف الحقوقي الذي يروجه المغرب عن مخيمات تندوف، وقد سبق وأن وجهت بنفسي نقدا لجبهة البوليزاريو، فيما يخص حقوق الإنسان في المخيمات وحتى المناطق المحررة، وانتقادي طبعا لا يعني المساس بالقضية المقدسة للصحراويين ولا أنا مناهض لإرادتهم ولا لتقرير مصيرهم، والذي أدركته عن قرب لما وقفت على مآسيهم في وطنهم.
في حين المغرب يهدف من وراء ذلك النقد الحقوقي المسرب عبر قنوات ووسائل مختلفة هو الوصول إلى ضرب مصداقية القضية وأيضا جعل اللاجئين مجرد محتجزين فقط، ولا علاقة لهم بالمواثيق الدولية المتعلقة بالنزوح أو اللجوء الجماعي أو الهجرة القسرية. وطبعا تستغلّ المواثيق والقوانين من أجل تحميل الدولة الجزائرية المسؤولية بسبب تواجد هؤلاء على التراب الجزائري وتحت السيادة الوطنية، وهذا حتى يتحقق الضغط ومنه يصلون إلى غاية تخلّي الجزائر عن القضية الصحراوية، وهو حلم بعيد المنال حسب ما نعرفه من خلال متابعتنا للموقف والقضية وأسباب الدعم والمساندة وجذور التأييد.
فالمعركة الحقوقية التي تنشب ما بين جبهة البوليزاريو والمغرب، جعلت هذا الأخير يرابط من أجل نقل ميدانها من شباكه في الأراضي الصحراوية إلى شباك الجبهة في المخيمات بتندوف.
3 - محاولات لتنشيط ندوات في الخارج يرعاها جزائريون ومناهضة للبوليزاريو:
لقد أقيمت نشاطات مختلفة مؤيدة للأطروحة المغربية، وتتمثل في ندوات أو حتى مسيرات مناهضة للبوليزاريو، ويقوم بذلك المهاجرون المغاربة في أوروبا وبتموين من السفارات المغربية، ولكن الشيء الذي لا يزال يسعى إليه المخزن هو أن تأتي مثل هذه النشاطات من طرف جزائريين أو صحراويين، ولكن الأمر لا يزال يقابل بالإخفاق الشديد، بسبب رفض المهاجرين الجزائريين والصحراويين لمثل هذه الأعمال المشبوهة. ونذكر في هذا السياق أنه في نوفمبر 2008 ومن خلال مغاربة يعيشون ما بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية، قد دعيت للمشاركة في ندوة حول جبهة البوليزاريو وحقوق الإنسان، وقد تواصل معي بخصوص ذلك، أحد المنظمين وهو أستاذ جامعي يعيش في واشنطن، غير أنه طلب مني لاحقا أن أكون أنا منظم اللقاء في باريس وأدعوا له الحقوقيين من العرب والأوروبيين وبعض البرلمانيين الفرنسيين ونشطاء إسبان ممن يدعمون الأطروحة المغربية، كما طلب مني التركيز على الجزائريين. وعندما تساءلت عن سبب هذا التغيير، أكّد لي أنه يريد الطابع الجزائري للملتقى حتى ينجح في تحقيق الأهداف المرسومة له. وهذا الذي رفضته لأنه لا يمكنني أن أنظم مثل هذه الملتقيات أو الندوات التي أجهل الأيادي السرية التي تقف خلفها بالدعم والتموين، كما قطعت علاقتي بذلك الشخص منذ ذلك الحين، بعدما سمع منّي ما لا يرضيه.
ولا تزال المخابرات المغربية تعمل من أجل محاولة خلق أي نشاط يكون مصدره جزائري، لإقناع العالم بأطروحته التي يكفر بها الصحراويون إلى منتهى لا يقبل أدنى نقاش أو تردد.
4 - حقوق الإنسان في الجزائر:
بسبب الملفات الخطيرة التي عرفها العالم عن واقع حقوق الإنسان في المغرب والصحراء الغربية، ولذلك كما ذكرنا يلعب المخزن على وتر حقوق الإنسان في المخيمات، وأيضا إثارة هذه الملفات المتعلقة بالجزائر، وهذا من أجل تأليب المنظمات الحقوقية على الجزائر، وإرضاخها بالضغط للتغاضي عن مأساة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
ومن خلال تقصي الأمر في فرنسا على سبيل المثال، فقد عثرت على بصمات مغربية في اتهامات مختلفة لاحقت الجزائر، وأذكر في هذا السياق أن أول من نشر خبر الشكوى التي رفعتها من قبل في الأمم المتحدة حول قضية التعذيب، هي الصحافة المغربية، حيث كانت البداية مع موقع هسبريس الذي نشر تقريرا بتاريخ 27/07/2009 عن قبول لجنة مناهضة التعذيب النظر في ملفي، وبعدها في 29/07/2009 نشرت يومية "أخبار اليوم" خبرا عن ذلك تحت عنوان مثير "قبول شكاية ضد جنرالات الجزائر بالأمم المتحدة". وتوالت الأخبار في صحف ومواقع أخرى مختلفة. والأمر لم يقتصر عليّ أنا فقط، فالصحف المغربية تحفل بأخبار كثيرة عما يتعلق بحقوق الإنسان في الجزائر، وعرف الأمر ترويجا في محافل دولية كما يجري مع السيد عمر هلّال السفير المغربي الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، حيث أنه في الدورة 12 لمجلس حقوق الإنسان التي عقدت بتاريخ 17/09/2009 الذي اتهم الجزائر صراحة وعلانية بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، ورد على السفير الجزائري الذي كشف عن جرائم المغرب في الصحراء الغربية، قائلا: "وإن لم يرق الأمر للسفير الجزائري فإن وضعية حقوق الإنسان تبقى أفضل ألف مرة منها في الجزائر حيث انتهاكات حقوق الإنسان ما زالت تسجل بشكل يومي".
وهو الذي تكرّر أيضا في 17/09/2010 عندما أثار إدريس الجزائري قضية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وذلك خلال الدورة 15 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
لا تزال المخابرات المغربية تعمل من أجل محاولة خلق أي نشاط يكون مصدره جزائري، لإقناع العالم بأطروحته التي يكفر بها الصحراويون إلى منتهى لا يقبل أدنى نقاش أو تردد.
كما سبق وأن حدثت ملاسنات في جنيف، لما تطرق المجلس الإقتصادي والإجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة في 23/07/2007 عندما تدخل السفير إدريس الجزائري أثناء مناقشات موضوع تأثيرات الاحتلال الإسرائيلي والحق في محو الاستعمار، وقوله بأن "أراضي الشعوب التي تقع تحت الاستعمار من الصحراء الغربية حتى مرتفعات الجولان تحولت إلى سجون بالنسبة لها"، ما دفع السفير المغربي حينها محمد لوليشكي بأن يتهم الجزائر كالعادة من أنها "مسؤولة عن منع أعداد من الصحراويين منذ 30 سنة من الحرية في تندوف".
وهو الأمر الذي يحدث دائما بين الجزائر والمغرب بخصوص حقوق الإنسان، كما تناقلت وسائل الإعلام المغربية تصريحات لمسؤولين في الحكومة يرددون الأسطوانة نفسها. وظل المغرب لا يجد ردّا على ما ثبت في الصحراء الغربية من انتهاكات جسيمة إلا بتوجيه أصابع الاتهام للجزائر، واللعب على أوتار مختلفة لا يقبلها المنطق في أغلب الأحيان.
حقوق الإنسان في مزادات المخزن
الحلقة الخامسة بقلم: أنور مالك
يعتبر ملف حقوق الإنسان من أعقد الملفات التي تواجه المخزن وخاصة في الصحراء الغربية، فكل التقارير المختصة في هذا الشأن، تجمع على إدانة ما يقترفه المغرب من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية التي وقع عليها، ويتجاوز ما تعهد به أمام المنظومة الدولية. أكدت أن المغرب يستهدف الصحراويين باعتقالات تعسفية وعشوائية وتهم ملفّقة تطال كل من يوالي جبهة البوليزاريو، كما أنها تستهدف النشطاء الحقوقيين بتهم مفبركة وتوقيفات متوالية.
المحاكمات غير عادلة، وهي سياسية بحتة وتخضع لإملاءات فوقية من طرف جهاز المخابرات، ويلجأ هذا الجهاز إلى ابتزاز الموقوفين من أجل توريطهم في مراجعة مواقفهم السياسية، سواء عن طريق الإغراء بالأموال والحرية والنفوذ والمناصب، أو التهديد بالتصفية الجسدية والوعيد بأحكام قاسية تجعل هذا الناشط يقضي عمره كاملا في السجون. أو تحت الإكراه بتوقيع محاضر مزورة عليها تصريحات ملفقة لا أساس لها.
ويتعرض الصحراويون في سجون المملكة إلى التعذيب والضرب والإهانة وحتى الاعتداءات الجنسية، كما أن مخافر الشرطة ترفض إجراء اختبارات طبية للكشف عن آثار ما اقترف في حق الموقوفين، هذا من دون أن نتجاهل ما يحدث في السجون من تعذيب وضرب واعتداءات وحرمان من أدنى الحقوق الآدمية التي تطال الصحراويين أو المساجين الإسلاميين، بل أن لدى حراس السجون تعليمات تقضي بالاحتراس من خطر الصحراويين الذي هو أكبر من أولئك المعتقلين في قضايا الإرهاب أو حتى التفجيرات.
هذا فضلا عن السجون السرية الأمريكية التي كشفت عنها دراسة دولية أنجزها محققون ونقلت البعض منها صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" الألمانية في عددها الصادر في 08/03/2010 . كما لا يمكن أن نتجاهل أشرطة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي أظهرت المتهم في هجمات11سبتمبر2001، رمزي بن شيبة، وهو يخضع للاستنطاق في أحد السجون السرية بالمغرب عام 2002 .
من جهة أخرى تعمل المخابرات المغربية، كثيرا جدا، وفي حالات لا تحصى ولا تعد، على ملاحقة المعارضين بتهم لا أساس لها، وغالبا ما تتعلق بالحق العام كالسياقة في حالة سكر، إهانة هيئة نظامية، الاعتداء على رجال الأمن، التحرش الجنسي، السرقة، النصب والاحتيال.. الخ، وطبعا يختلق لهم ضحايا ويكونون دائما من المستوطنين المغاربة، أو ممن يعملون لحساب الجهاز في الصحراء الغربية، والذين يصفهم الصحراويون بالمرتزقة. وهذه التهم التي تتعلق بالحق العام هي مناورة مخابراتية من أجل أن لا يكون هؤلاء المعتقلين سجناء رأي، وهو الذي يسبب المتاعب للسلطات المغربية مع منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.
يتعرض الصحراويون في سجون المملكة إلى التعذيب والضرب والإهانة وحتى الاعتداءات الجنسية، كما أن مخافر الشرطة ترفض إجراء اختبارات طبية للكشف عن آثار ما اقترف في حق الموقوفين.
يمارس المغرب أيضا الطرد والإبعاد للصحراويين من أراضيهم ومصادرتها بقرارات السلطات الأمنية، أو يجري الاحتيال عليهم في ممتلكاتهم بشهود زور ووثائق مفبركة وبتواريخ رجعية، وهذا من أجل تمكين المستوطنين المغاربة كما يطلق عليهم هناك، من امتلاك عقارات في الصحراء حتى يخلط ورق الأمم المتحدة مستقبلا إن أجبرت الرباط على استفتاء تقرير المصير. أما الإبعاد من التراب فتعتبر أميناتو حيدار من أشهر مناضلي حقوق الإنسان الذين تم طردهم، وقد تعرضت أميناتو إلى ذلك في نوفمبر 2009 وأثارت قضيتها زوبعة عالمية وضعت المخزن في موقف حرج، لم يجد من حل سوى الرضوخ وإقالة بعض المسؤولين لذرّ الرماد في العيون.
إلى جانب ما ذكرنا فالتقارير الحقوقية التي توصلت بها مؤخرا، أو من خلال معاينتي للواقع في منطقة الداخلة، فقد وقفت على إجراءات صارمة وقمعية يمارسها الأمن المغربي وهذا من أجل الحدّ من حرية التجمهر والتظاهر السلمي والإضرابات، وهذا الذي يناقض المادة21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما تعرقل المخابرات تكوين جمعيات حقوقية في الصحراء الغربية، وهو ما يخالف المادة 22 من العهد الدولي وأيضا الفصل التاسع من الدستور المغربي، ونذكر في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر، منع "تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان" في 07/10/2007، بل إن "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" والمعترف بها يتعرض فرعها في مدينة العيون لمضايقات مختلفة، من أجل إعاقة عملها في الوصول إلى الملفات السوداء التي تزخر بها المنطقة الجريحة.
حتى الصحفيون والمراقبون الدوليون الأجانب الذين يتابعون قضية الصحراء الغربية، يتعرضون إلى عراقيل كثيرة تعيق عملهم، كما أن المخابرات تعمل على تضليلهم حتى يتم توجيههم نحو ما يخدم أطروحة المغرب، وهذا الذي جعلهم ينتفضون ضدي لما نشرت تحقيقي عن منطقة الداخلة. ونذكر أن السلطات أقدمت على طرد وفد حقوقي فرنسي في 25/04/2008، منعت أيضا بعثة تقصّي الحقائق في البرلمان الأوروبي أواخر 2005 . أيضا اعتدت على مواطنين إسبان تضامنوا مع الصحراويين في العيون في أوت الماضي وإعتقلتهم ثم رحلتهم إلى بلادهم. ويندى الجبين لما يجري في حق حرية التعبير والعمل النقابي والصحافة... الخ.
للمغرب كتاب أسود فيما يتعلق بحقوق الإنسان سواء في الصحراء الغربية أو حتى في التراب المغربي، ولا يمكن حصره في مقال، لأن القضية تحتاج إلى مؤلفات مستقلة، ويوجد الكثيرون ممن كتبوا في هذا الأمر، والملفات التي تقدمها جبهة البوليزاريو إلى الأمم المتحدة تحتاج إلى وقفات لا تنتهي، لأنها ملفات موثقة وثابتة لا تحتاج إلى أدنى مراوغة.
وبسبب ذلك تعمل المخابرات المغربية في هذا الإطار على عدة أطر نحاول أن نتحدث عن بعضها في هذه المتابعة المختصرة.
1 - محاولات كسب ودّ المنظمات الدولية بالكذب والملفات المزورة:
تنشط المخابرات المغربية كثيرا من أجل كسب ودّ المنظمات الحقوقية الدولية وغير الحكومية، وخاصة تلك المهتمة بشؤون الصحراء الغربية، وقد كشفت لي شخصيات معروفة لا يمكن أن نبوح باسمها، من أن المغرب حاول استدراجهم مرارا وتكرارا سواء عن طريق الإغراءات المالية أو من خلال قضايا مشبوهة وملفات غامضة، أو من خلال محاولة دسّ عملاء بينهم يظهرون للناس أنهم معارضون للنظام المغربي وأنهم نشطاء حقوقيون يتعرضون للمضايقات في محلات إقامتهم، وفي الأصل هم يؤدون مهمات لصالح جهازهم.
عندما أخفق الجهاز في الوصول لغايته، لجأ إلى التقارير الكاذبة والملفات المزوّرة التي ترسل بقنوات مختلفة إلى منظمات حقوقية بارزة من أجل توجيهها أو مغالطتها، وتوريطها في ما يشيد بالمغرب ويدين الجزائر وجبهة البوليزاريو في آن واحد.
وعندما أخفق الجهاز في الوصول لغايته، لجأ إلى التقارير الكاذبة والملفات المزوّرة التي ترسل بقنوات مختلفة إلى منظمات حقوقية بارزة من أجل توجيهها أو مغالطتها، وتوريطها في ما يشيد بالمغرب ويدين الجزائر وجبهة البوليزاريو في آن واحد، بل تدخّلوا أحيانا في شؤون الداخلية للجزائر.
2 - الرهان على حقوق الإنسان في المخيمات:
كما ذكرنا سابقا أن أخطر ما يواجه المخزن اليوم هو الملف الحقوقي في الصحراء الغربية، وخاصة أن الانتهاكات قائمة وبأساليب لا يمكن تخيلها، وهي ثابتة من خلال الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل خارج أطر القانون والاغتيالات والقمع ومناهضة حرية التعبير.. الخ. ومن أجل تخفيف العبء المسلط على رقبة المخزن، تعمل منذ فترة على محاولة إبراز المخيمات كمنطقة سوداء تنتهك فيها حقوق الإنسان، أقول هذا من أجل رفع العبء في الداخل الصحراوي، وأيضا من أجل محاولة جعل المجتمع الدولي يضغط حتى تفكك هذه المخيمات التي بدورها من أعقد ما يواجه الأمم المتحدة والقانون الدولي، لأن وجود لاجئين ومنذ أكثر من 35 عاما ومن دون وضع حدّ لأسباب لجوئهم هو جريمة دولية بامتياز، ولا يمكن استمرارها إلا بحلّها وفق أطر إنسانية وقانونية ودولية، ومادام المغرب هو من يتحمل المسؤولية الجنائية في هذا الشأن سيلعب على أوتار حلول شكلية لأجل المطالبة بحلّ المخيمات أو إعادة توطين اللاجئين في الجزائر أو بلد أخرى، أو حتى ترحيلهم جماعيا إلى ما يصفه المخزن "الوطن الأم" وكأن واقع الصحراويين في الداخل هو في أحسن الظروف، بل بالعكس أن ما يواجهونه يندى له الجبين ويجعل أسباب اللجوء قائمة ومستمرة بالرغم من توقيف الحرب بين المملكة والبوليزاريو، وهذا الذي وقفت عليه بنفسي ولم ينقل لي كما يجري مع الآخرين.
نرى أن المغرب خاصة في السنوات الأخيرة يحاول التركيز على حقوق الإنسان في المخيمات، وهذا بإقامة ملتقيات وندوات وبرامج تلفزيونية وإذاعية وتقارير صحيفة وحقوقية، وكلها تدين البوليزاريو من أنها تنتهك حقوق الصحراويين، ويحمّل الجزائر كل المسؤولية. بل يلجأ المخزن أيضا لفتح ملفات الأسرى المغاربة السابقين لدى الجبهة وذلك بنشر شهاداتهم في الكتب ووسائل الإعلام. كما أن خبراء المخزن يروجون كثيرا لما يسمى بالسجون السرية في تندوف. لم يقتصر الأمر على ذلك بل انتشرت أنباء هنا وهناك على العبودية والمتاجرة بالأطفال ومتابعات أخرى تتعلق بالأعراض والشرف... الخ. وهذا كله سعي مخابراتي من أجل توجيه الأنظار الحقوقية وشغلها بشأن تندوف، حتى يخفف الأمر على ما يقترف في حق الصحراويين في الداخل، فضلا من أن اللاجئين هم القنبلة الموقوتة في عنق المملكة المغربية.
ومن اجل إعطاء بعض المصداقية لهذه الأساطير المخزنية، تركز المخابرات على ما تطلق عليه "شهادات العائدين للوطن" في إطار ما يعرف بـ "الوطن غفور رحيم"! . هؤلاء ممن يصورهم المغرب على أنهم إنجاز وطني وهو في الحقيقة مجرد صفقات تقع بين محتاجين وأحيانا مع مواطنين من البدو الرحل في الصحراء القاحلة وأعماقها، ممن يتم تقديهم للرأي العام على أنهم فرّوا من "جحيم" تندوف. والمتتبع لندوات بعضهم يجدها موجهة نحو تصوير المغرب من أنه جنة وفردوس وأنهم أيضا يرددون ما لقّن لهم على مدار أسابيع يخضعون فيها لغسيل المخ، هذا من أجل الإجماع على إضفاء المصداقية على الملف الحقوقي الذي يروجه المغرب عن مخيمات تندوف، وقد سبق وأن وجهت بنفسي نقدا لجبهة البوليزاريو، فيما يخص حقوق الإنسان في المخيمات وحتى المناطق المحررة، وانتقادي طبعا لا يعني المساس بالقضية المقدسة للصحراويين ولا أنا مناهض لإرادتهم ولا لتقرير مصيرهم، والذي أدركته عن قرب لما وقفت على مآسيهم في وطنهم.
في حين المغرب يهدف من وراء ذلك النقد الحقوقي المسرب عبر قنوات ووسائل مختلفة هو الوصول إلى ضرب مصداقية القضية وأيضا جعل اللاجئين مجرد محتجزين فقط، ولا علاقة لهم بالمواثيق الدولية المتعلقة بالنزوح أو اللجوء الجماعي أو الهجرة القسرية. وطبعا تستغلّ المواثيق والقوانين من أجل تحميل الدولة الجزائرية المسؤولية بسبب تواجد هؤلاء على التراب الجزائري وتحت السيادة الوطنية، وهذا حتى يتحقق الضغط ومنه يصلون إلى غاية تخلّي الجزائر عن القضية الصحراوية، وهو حلم بعيد المنال حسب ما نعرفه من خلال متابعتنا للموقف والقضية وأسباب الدعم والمساندة وجذور التأييد.
فالمعركة الحقوقية التي تنشب ما بين جبهة البوليزاريو والمغرب، جعلت هذا الأخير يرابط من أجل نقل ميدانها من شباكه في الأراضي الصحراوية إلى شباك الجبهة في المخيمات بتندوف.
3 - محاولات لتنشيط ندوات في الخارج يرعاها جزائريون ومناهضة للبوليزاريو:
لقد أقيمت نشاطات مختلفة مؤيدة للأطروحة المغربية، وتتمثل في ندوات أو حتى مسيرات مناهضة للبوليزاريو، ويقوم بذلك المهاجرون المغاربة في أوروبا وبتموين من السفارات المغربية، ولكن الشيء الذي لا يزال يسعى إليه المخزن هو أن تأتي مثل هذه النشاطات من طرف جزائريين أو صحراويين، ولكن الأمر لا يزال يقابل بالإخفاق الشديد، بسبب رفض المهاجرين الجزائريين والصحراويين لمثل هذه الأعمال المشبوهة. ونذكر في هذا السياق أنه في نوفمبر 2008 ومن خلال مغاربة يعيشون ما بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية، قد دعيت للمشاركة في ندوة حول جبهة البوليزاريو وحقوق الإنسان، وقد تواصل معي بخصوص ذلك، أحد المنظمين وهو أستاذ جامعي يعيش في واشنطن، غير أنه طلب مني لاحقا أن أكون أنا منظم اللقاء في باريس وأدعوا له الحقوقيين من العرب والأوروبيين وبعض البرلمانيين الفرنسيين ونشطاء إسبان ممن يدعمون الأطروحة المغربية، كما طلب مني التركيز على الجزائريين. وعندما تساءلت عن سبب هذا التغيير، أكّد لي أنه يريد الطابع الجزائري للملتقى حتى ينجح في تحقيق الأهداف المرسومة له. وهذا الذي رفضته لأنه لا يمكنني أن أنظم مثل هذه الملتقيات أو الندوات التي أجهل الأيادي السرية التي تقف خلفها بالدعم والتموين، كما قطعت علاقتي بذلك الشخص منذ ذلك الحين، بعدما سمع منّي ما لا يرضيه.
ولا تزال المخابرات المغربية تعمل من أجل محاولة خلق أي نشاط يكون مصدره جزائري، لإقناع العالم بأطروحته التي يكفر بها الصحراويون إلى منتهى لا يقبل أدنى نقاش أو تردد.
4 - حقوق الإنسان في الجزائر:
بسبب الملفات الخطيرة التي عرفها العالم عن واقع حقوق الإنسان في المغرب والصحراء الغربية، ولذلك كما ذكرنا يلعب المخزن على وتر حقوق الإنسان في المخيمات، وأيضا إثارة هذه الملفات المتعلقة بالجزائر، وهذا من أجل تأليب المنظمات الحقوقية على الجزائر، وإرضاخها بالضغط للتغاضي عن مأساة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
ومن خلال تقصي الأمر في فرنسا على سبيل المثال، فقد عثرت على بصمات مغربية في اتهامات مختلفة لاحقت الجزائر، وأذكر في هذا السياق أن أول من نشر خبر الشكوى التي رفعتها من قبل في الأمم المتحدة حول قضية التعذيب، هي الصحافة المغربية، حيث كانت البداية مع موقع هسبريس الذي نشر تقريرا بتاريخ 27/07/2009 عن قبول لجنة مناهضة التعذيب النظر في ملفي، وبعدها في 29/07/2009 نشرت يومية "أخبار اليوم" خبرا عن ذلك تحت عنوان مثير "قبول شكاية ضد جنرالات الجزائر بالأمم المتحدة". وتوالت الأخبار في صحف ومواقع أخرى مختلفة. والأمر لم يقتصر عليّ أنا فقط، فالصحف المغربية تحفل بأخبار كثيرة عما يتعلق بحقوق الإنسان في الجزائر، وعرف الأمر ترويجا في محافل دولية كما يجري مع السيد عمر هلّال السفير المغربي الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، حيث أنه في الدورة 12 لمجلس حقوق الإنسان التي عقدت بتاريخ 17/09/2009 الذي اتهم الجزائر صراحة وعلانية بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، ورد على السفير الجزائري الذي كشف عن جرائم المغرب في الصحراء الغربية، قائلا: "وإن لم يرق الأمر للسفير الجزائري فإن وضعية حقوق الإنسان تبقى أفضل ألف مرة منها في الجزائر حيث انتهاكات حقوق الإنسان ما زالت تسجل بشكل يومي".
وهو الذي تكرّر أيضا في 17/09/2010 عندما أثار إدريس الجزائري قضية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وذلك خلال الدورة 15 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
لا تزال المخابرات المغربية تعمل من أجل محاولة خلق أي نشاط يكون مصدره جزائري، لإقناع العالم بأطروحته التي يكفر بها الصحراويون إلى منتهى لا يقبل أدنى نقاش أو تردد.
كما سبق وأن حدثت ملاسنات في جنيف، لما تطرق المجلس الإقتصادي والإجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة في 23/07/2007 عندما تدخل السفير إدريس الجزائري أثناء مناقشات موضوع تأثيرات الاحتلال الإسرائيلي والحق في محو الاستعمار، وقوله بأن "أراضي الشعوب التي تقع تحت الاستعمار من الصحراء الغربية حتى مرتفعات الجولان تحولت إلى سجون بالنسبة لها"، ما دفع السفير المغربي حينها محمد لوليشكي بأن يتهم الجزائر كالعادة من أنها "مسؤولة عن منع أعداد من الصحراويين منذ 30 سنة من الحرية في تندوف".
وهو الأمر الذي يحدث دائما بين الجزائر والمغرب بخصوص حقوق الإنسان، كما تناقلت وسائل الإعلام المغربية تصريحات لمسؤولين في الحكومة يرددون الأسطوانة نفسها. وظل المغرب لا يجد ردّا على ما ثبت في الصحراء الغربية من انتهاكات جسيمة إلا بتوجيه أصابع الاتهام للجزائر، واللعب على أوتار مختلفة لا يقبلها المنطق في أغلب الأحيان.