المخابرات المغربية وحروبها السريّة على الجزائر
رئيس استخبارات المخزن : جريدة " الشروق " تزعجنا
بقلم : أنور مالك
الحلقة السابعة
قبل خمس دقائق من الموعد اتصل بي عون الاستقبال بالفندق، وأخبرني أنه يوجد من ينتظرني، فنزلت ووجدت سائق السيارة، وكان في الخمسينيات من عمره على ما يبدو لي، حملني في سيارة من نوع "تويوتا" إلى حيث الموعد، ولم يكن سوى فيلا فاخرة لا تبتعد كثيرا عن الفندق الذي أقمت به، فتح لنا الباب الخارجي الضخم وكان في مركز المراقبة ثلاثة رجال في زيّ مدني، وبعد أمتار في طريق على جوانبه ورود وأشجار، توقفت السيارة قبالة بوابة ووجدنا العقيد أحمد وبرفقته شخصان آخران لم تسبق لي رؤيتهما، سلمت عليهم وأدخلوني بعدما مررت على جهاز سكانير مثبت حيث يقف بالقرب منه شاب طلب مني أن أضع كل ما في جيبي من أغراض "المحفظة، دراهم، هاتف، ساعة اليد.. الخ"، إلا أن العقيد تدخّل معبرا له من أنني صديق حميم ولا داعي لإحراجي، غير أنه طلب مني غلق هاتفي المحمول وتركه معه، مبررا أنها إجراءات معمول بها، فعلت ذلك، بعدها مررت في الجهاز ومن دون أن ينبه على شيء، وهذا الذي أكّد لي أن المكان هو عبارة عن مقرّ رسمي للدولة وليس إقامة شخصية عادية .
عبر رواق في حدود ثلاثة أمتار دخلت إلى بهو الفيلا وكانت مؤثثة بطابع راق إلى درجة كبيرة، ثم أدخلني إلى صالون ثان، وطلب مني الجلوس والإنتظار لثوان فقط، فجلست على أريكة مذهبة وتحت ضوء خافت ينبعث من وراء ستائر توحي برهبة المكان. غادرني العقيد بخطوات مسرعة، أما أحدهم، فسألني عن المشروب الذي أرغب فيه، فاعتذرت عن ذلك، وعندما ألحّ فضلت كأس عصير تفاديا للإحراج .
بعد فترة لم تتجاوز الخمس دقائق، عاد العقيد ومعه خمسة أشخاص، بدت لي ملامح الرجل المعني بلقائي من خلال تقدمه لهم وحتى نظراته المنصبّة عليّ، والمفاجأة غير المتوقعة أصلا بأنه لم يكن الوالي أو شخصا آخر، بل هو محمد ياسين المنصوري رئيس جهاز المخابرات المغربية، كما أن ملامحه غير غريبة عنّي فقد سبق ورأيته عبر بعض وسائل الإعلام، كان يسير أولهم وهم يتبعونه، سلم عليّ مرحبا بي في ما سماه بلدي الثاني المغرب، أما العقيد فراح يقدمه لي، وكان بالفعل كما تبادر لذهني، من أنه السيد ياسين المنصوري رئيس جهاز المخابرات المغربية، وأحد المقربين من الملك محمد السادس بحكم الزمالة في الدراسة التي جمعتهما من قبل .
* ودعني المنصوري وعبر عن استعداده لمساعدتي بالمحامين أو حتى برفع دعاوى جديدة ضد مسؤولين بارزين آخرين وليس سلطاني فقط!
وإن كنت قد امتعضت من هذه الطريقة التي أتوا بها، وقد قلتها صراحة أنه من حقي أن أعرف مسبقا، إلا أن المنصوري أكّد لي أنه لأسباب أمنية فضلا من أنهم احتملوا رفضي للقاء، المهم أنني تناسيت ما حدث فقد صرت أمام الأمر الواقع، ورحنا نتبادل النقاش عن كثير من الأمور العامة، كما دار الحديث عن أحوالي وظروف الحياة في فرنسا، وأخبرني أنه يحترم قلمي وسبق له وأن شاهدني في بعض البرامج بالقنوات الفضائية، ليضيف بأنه طلب اللقاء من أجل التعارف بيننا بعدما أخفق اللقاء الأول في لشبونة، وأنه يحترم المعارضة الجزائرية في الخارج. كما حاول استدراجي للحديث عن تجربتي العسكرية، إلا أنني رحت أتحدث عن تلك المرحلة كماضٍ قد ذهب لحاله، وأن الأمور تغيرت على ما كانت عليه عندما كنت في المؤسسة العسكرية .
حدثني أيضا عن الدعوى التي رفعتها ضد الوزير الأسبق وزعيم حركة "حمس" أبوجرة سلطاني بسويسرا، وأنه تابع فصول القضية وما أثارته من جدل، وعبّر عن تضامنه المطلق معي حتى استرجع حقوقي كاملة. ثم راح يشيد بكتابي "طوفان الفساد وزحف بن لادن في الجزائر" الذي أحدث ضجة وصادرته مصر، ووصفه بأنه جريء ومتميز، فأدركت لحظتها أن النسخة المطبوعة التي أرسلتها لمكّاوي وبرّادة كما سيأتي لاحقا، قد ذهبت إليه وليس للتوزيع كما زعموا .
ليصل الحوار بيننا عن الشكوى المرفوعة لدى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بجنيف، وراح يحدثني عن أسماء المسؤولين الذين تمّ ذكرهم في الشكوى. وقد أبدى اهتماما بالغا بالأمر، وأشار بطريقة مبطّنة إلى أن تلك الشكوى لم تحدث من قبل، وإدانة الجزائر في جنيف هي تعني الكثير بالنسبة لحقوق الإنسان في العالم، وإن كان يؤكد بلسان حاله مدى أهميتها لدى المغرب، فجالت بخاطري ما رويناه من قبل عن السجالات التي تحدث من حين لآخر في جنيف بين سفير الجزائر ونظيره المغربي حول حقوق الإنسان في الجزائر والمغرب والصحراء الغربية.
ومما يمكن تسجيله هنا أن المنصوري نصحني بأن أساعد الأشخاص الذين أعرف من أجل تقديم شكاوى ضد الجزائر في الأمم المتحدة، وخاصة تلك التي تتعلق بالتعذيب والاعتقال التعسفي والمفقودين.. إلخ. وقد حاولت أن اسأله في بعض الأمور وخاصة تلك التي تتعلق بالعلاقات بين البلدين، وقد كشف لي من أن الملك محمد السادس ممتعض كثيرا من غلق الحدود البرية، ومن جهة أخرى أشار إلى أنه يجب دعم الحكم الذاتي لوضع حد نهائي للنزاع، وبداية صفحة جديدة من العلاقات الثنائية .
وأذكر أنني سألته بصراحة عن ما تروجه الصحف المغربية عما تسميها "الصحراء الشرقية"، فقد قال لي بالحرف الواحد: "هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، هي أمر تاريخي ولدينا الأدلة على مغربية الصحراء الشرقية، ولكن نحن مستعدون لطي الصفحة بشرط أن توقف الجزائر دعمها للانفصاليين"، فقلت له: "وإن لم يحدث ذلك فماذا بوسعكم كدولة القيام به؟"، فأجاب قائلا: "نعمل الكثير وسنحرج الجنرالات بما نملك من ملفات عن قضيتنا وأيضا عن الإرهاب الدولي الذي ينطلق من الجزائر". ثم أردف قائلا: "نحن نحب الجزائر وشعبها ولكن نحب وطننا أكثر، وأقاليمنا الجنوبية مقدسة " .
لقد كان يتحدث من دون احتراس وإن كان ظل يفضل العموميات على التفاصيل، ومن الأشياء التي يجب أن نشير إليها وهي التي تتعلق بالمفاوضات مع جبهة البوليزاريو التي يشارك فيها كممثل للمغرب، أكّد الرجل لي من أنها مناورة فرضتها عليهم الأمم المتحدة، وأنهم كدولة لا ينتظرون منها شيئا ولا يمكن أن يتنازلوا لصالح البوليزاريو ولو بقشة من الصحراء. وأذكر أنني سألته قائلا: "ماذا لو تفرض الأمم المتحدة استفتاء تقرير المصير عليكم؟"، أجاب قائلا: "لن تتجرّأ على ذلك، وإن فعلتها فلن تصل لشيء، لأن الصحراويين ذابوا في المغرب والمغاربة ذابوا في الصحراء". بل علّق على الأمم المتحدة بما لم أتصوره حيث قال: "الأمم المتحدة مجرّد هيكل شكلي لا روح فيه، تسيطر عليه القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا، ونحن والحمد لله أمريكا معنا إلى النهاية، ومبعوثها الأممي إن لم يستقل في نهاية المطاف سيجد نفسه مجبرا على تنفيذ الحكم الذاتي الذي لا بديل عنه " .
أما عن الإعلام ودوره في المنطقة المغاربية، فقد أشار المنصوري وبحكم تجربته على رأس وكالة أنباء المغرب العربي الرسمية، من أن الصحف الجزائرية تثير فتنة، وما يأتي في الصحف المغربية هو مجرّد ردّ فعل فقط، أما الوكالة الرسمية فهي تنأى بنفسها حتى لا تتورّط في مثل هذه الأمور، وقد فاجأني عندما تحدث قائلا: "ألا تذكر ما حدث بين الجزائر ومصر، ألم يتورط الإعلام في ذلك.."، قاطعته قائلا: "لكن الإعلام المصري هو الذي تطاول على تاريخنا وثورتنا وقيمنا"، فردّ: "صحيح أن ما فعله الإعلام المصري هو مرفوض وندينه كمغاربة يربطنا تاريخ ثوري مشترك ولدينا شهداء سقطوا في أرض الشرف بالجزائر، ولكن أيضا الشروق تجاوزت الخطوط الحمراء"، قلت له: "الشروق كانت في موضع الدفاع مثلما قلت عن الصحف المغربية، وقد واجهت ترسانة فضائية رهيبة". ليعقب: "صراحة الشروق جريدة فتنة وهي تزعجنا إلى ما لا يمكن تصوره بمتابعاتها لقضيتنا الوطنية ولدعمها للانفصاليين " .
ثم أضاف: "يجب على السلطات في الجزائر أن توقف صدور الصحيفة أو تمنعها من التحدث في شأن العلاقات بين البلدين، حتى ننتهي من تصفيات كأس إفريقيا لأنها قد تثير فتنة بيننا". فقلت له: "أنا أكتب في الشروق منذ زمان، وأعرف طاقمها جيدا وهي ليست بهذا السوء الذي تتحدث عنه". ضحك وهو يقول: "أعرف أنها تنشر لك بعض مقالاتك، لكنها لا تنشر لك ما تكتب عن الانفصاليين وتريد أن تظهر من أنها جريدة الرأي والرأي الآخر فقط"، ثم أضاف: "الأمر في غاية الخطورة إن لم نتداركه قبل فوات الأوان".
يبدو انه فهم الرسالة، إلا أنه أوصاني بأن يظل على اتصال بي عبر قنوات مختلفة ومن بينها حسب الإيحاء الذي فهمته، هو المدعو رضا طوجني الذي سبق وأن أشرنا إليه وهو الذي سيتبيّن لاحقا من خلال اللقاءات التي جمعتنا سويا في فرنسا والمغرب، واستعماله للكاميرا السرية على حد ما اعترف به لاحقا، فضلا من كل ذلك أن المنصوري وصفه بالصديق الحميم .
علّق رئيس المخابرات المغربية على الأمم المتحدة بما لم أتصوره حيث قال: "الأمم المتحدة مجرّد هيكل شكلي لا روح فيه، تسيطر عليه القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا، ونحن والحمد لله أمريكا معنا إلى النهاية".
إظهار الحقيقة ولو تكون في صالح الشيطان
شاركت في الندوة التي انعقدت بتاريخ 24/04/2010 حيث انتقدت جميع الأطراف، وشهدت ترويجا إعلاميا مكثفا عبر كل القنوات والصحف المغربية، وتسابق الصحفيون المشاركون في أخذ تصريحاتي، ولكن المعيب والمشين، هو عدم نشر أدنى نقد قد وجهته للمغرب، وحتى من أشار إليه فعلى سبيل الحديث العابر والمبطن لإبراز الديمقراطية والاستقلالية فقط .
افتتحت محاضرتي بالقول: "سأنطلق في حديثي من خلال مصطلحات أقرتها الأمم المتحدة حتى لا نحمّل ما لا طاقة لنا به، سنسمي الصحراء بالصحراء الغربية، ونذكر المخيمات على أنها مخيمات اللاجئين. وهذه المصطلحات يجب أن تبقى في إطارها الأممي"، وأضفت مؤكدا: "أنا هنا كاتب وصحافي فقط ولست معارضا للنظام الجزائري كما تتناقل وسائل الإعلام، فعندما تكون إساءة هذه النظام فسأكشفها للعلن وإن أحسن فلا أتردد أبدا في الإشادة به. أقول ذلك لتوضيح أمر في غاية الأهمية، ويتعلق أساسا بالصورة النمطية التي صارت منتشرة، وهي أن المعارض لا يبحث إلا عن المساوئ ولا يترصد إلا للعيوب ولا يتصيد إلا للمفرقعات، وهو الذي أفقده مصداقيته كثيرا في الأوساط الشعبية، وجعل جماهيرية المعارضات في العالم العربي والإسلامي مجرد ديكور إما يصنع أعراس السلطة والأنظمة، أو أنها مهمشة لا تقدر على جمع سكان حي على اتفاق مطالبة رؤساء البلديات بتحسين قنوات تصريف المياه القذرة… المعارضة لم أكن منها يوما ولا انتميت لحزب ولا لجمعية ولا ترشحت ولا تطلعت لمنصب ولا ناصرت مرشحا مهما كان انتماؤه، فلو أحسب عليها سيفقد كلامي مصداقيته في ظل هذه المعارضات الهشّة التي صارت تبحث عن الأضواء ولو على حساب الحقيقة . كما قلت أنا كاتب وصحافي وحقوقي همّي إظهار الحقيقة ولو تكون في صالح الشيطان .
1 - الترويج للأصوات المجهولة واختلاق أخرى نكرة :
لقد ظهرت على المسرح الإعلامي بعض الأصوات المجهولة والتي تأتي من طرف أشخاص لا يعرفهم أحد، ولا كان لهم أدنى حضور سواء في الساحة الإعلامية أو السياسية أو حتى العسكرية. والغريب أن هؤلاء النكرات يتم الترويج لأكاذيبهم وشهاداتهم المزيفة والمزورة والكاذبة على أهم الصحف والقنوات المغربية، ويشاد بهم على صدر الصفحات الأولى وبالبنط العريض .
وكما لاحظنا أن الترويج يجري بداية في شؤون تتعلق بالجزائر، وبعدها يسقط هؤلاء من أجل الحفاظ على حضورهم الإعلامي في شباك الترويج للأطروحة المخزنية وخاصة المتعلقة بالصحراء الغربية والحدود والإرهاب وأمن المنطقة المغاربية. وطبعا من خلال هذه الوجوه النكرة والمجهولة يظل التسويق للمواقف المخزنية قائمة، كما يتواصل زرع الفتنة والبهتان وفق أجندة مدروسة تحدثنا عن بعض جوانبها فيما سبق. وحتى لا أشرف هؤلاء بذكر أسمائهم، أبقي على ما قلته فقط عن القضية بصفة عامة.
2 - صناعة شهرة مشروطة :
كما أشرنا، فإن الترويج لهؤلاء المجهولين الذين لا يفقهون شيئا في شؤون السياسة، ولا سبق لهم أدنى حضور إعلامي في الجزائر، ولا على مشهد المعارضة سواء في الأحزاب أو الجمعيات أو النقابات. وقد صار بعضهم ممن يريد التسويق لبضاعته المفلسة أساسا، يستغلّ الشأن المغربي بما يخدم أجندتهم حتى يتم الترويج له، وهكذا فإن الشهرة التي يمنحها المخزن تظل مشروطة دوما بالدفاع عن أطروحاته والمتمثلة أساسا في :
- سيادة المغرب على الصحراء الغربية وفق منظور الحكم الذاتي المطروح .
- اتهام الجزائر بافتعال الصراع وتحميلها مسؤولية كل ما يحدث وجعلها الطرف الرئيسي في ذلك .
- الترويج لفرضية أن اللاجئين الصحراويين هم في وضع الاحتجاز ولذلك فالمغرب لا يتحمل أدنى مسؤولية على هذه المأساة الدولية .
- تبييض الملف الحقوقي للمغرب وتسويد الجانب الجزائري ومعه جبهة البوليزاريو .
- الحفاظ على هذا الأمر سيضمن لهؤلاء التواجد المستمر على الصحف والمواقع المغربية، وغالبا مثل هذه الأمور تنسب لهؤلاء المجاهيل الذين صنعهم الإعلام المغربي ويحافظ دوما على استمرار نعيقهم في الساحة، وفق منظور حددت مسبقا معالمه.
رئيس استخبارات المخزن : جريدة " الشروق " تزعجنا
بقلم : أنور مالك
الحلقة السابعة
قبل خمس دقائق من الموعد اتصل بي عون الاستقبال بالفندق، وأخبرني أنه يوجد من ينتظرني، فنزلت ووجدت سائق السيارة، وكان في الخمسينيات من عمره على ما يبدو لي، حملني في سيارة من نوع "تويوتا" إلى حيث الموعد، ولم يكن سوى فيلا فاخرة لا تبتعد كثيرا عن الفندق الذي أقمت به، فتح لنا الباب الخارجي الضخم وكان في مركز المراقبة ثلاثة رجال في زيّ مدني، وبعد أمتار في طريق على جوانبه ورود وأشجار، توقفت السيارة قبالة بوابة ووجدنا العقيد أحمد وبرفقته شخصان آخران لم تسبق لي رؤيتهما، سلمت عليهم وأدخلوني بعدما مررت على جهاز سكانير مثبت حيث يقف بالقرب منه شاب طلب مني أن أضع كل ما في جيبي من أغراض "المحفظة، دراهم، هاتف، ساعة اليد.. الخ"، إلا أن العقيد تدخّل معبرا له من أنني صديق حميم ولا داعي لإحراجي، غير أنه طلب مني غلق هاتفي المحمول وتركه معه، مبررا أنها إجراءات معمول بها، فعلت ذلك، بعدها مررت في الجهاز ومن دون أن ينبه على شيء، وهذا الذي أكّد لي أن المكان هو عبارة عن مقرّ رسمي للدولة وليس إقامة شخصية عادية .
عبر رواق في حدود ثلاثة أمتار دخلت إلى بهو الفيلا وكانت مؤثثة بطابع راق إلى درجة كبيرة، ثم أدخلني إلى صالون ثان، وطلب مني الجلوس والإنتظار لثوان فقط، فجلست على أريكة مذهبة وتحت ضوء خافت ينبعث من وراء ستائر توحي برهبة المكان. غادرني العقيد بخطوات مسرعة، أما أحدهم، فسألني عن المشروب الذي أرغب فيه، فاعتذرت عن ذلك، وعندما ألحّ فضلت كأس عصير تفاديا للإحراج .
بعد فترة لم تتجاوز الخمس دقائق، عاد العقيد ومعه خمسة أشخاص، بدت لي ملامح الرجل المعني بلقائي من خلال تقدمه لهم وحتى نظراته المنصبّة عليّ، والمفاجأة غير المتوقعة أصلا بأنه لم يكن الوالي أو شخصا آخر، بل هو محمد ياسين المنصوري رئيس جهاز المخابرات المغربية، كما أن ملامحه غير غريبة عنّي فقد سبق ورأيته عبر بعض وسائل الإعلام، كان يسير أولهم وهم يتبعونه، سلم عليّ مرحبا بي في ما سماه بلدي الثاني المغرب، أما العقيد فراح يقدمه لي، وكان بالفعل كما تبادر لذهني، من أنه السيد ياسين المنصوري رئيس جهاز المخابرات المغربية، وأحد المقربين من الملك محمد السادس بحكم الزمالة في الدراسة التي جمعتهما من قبل .
* ودعني المنصوري وعبر عن استعداده لمساعدتي بالمحامين أو حتى برفع دعاوى جديدة ضد مسؤولين بارزين آخرين وليس سلطاني فقط!
وإن كنت قد امتعضت من هذه الطريقة التي أتوا بها، وقد قلتها صراحة أنه من حقي أن أعرف مسبقا، إلا أن المنصوري أكّد لي أنه لأسباب أمنية فضلا من أنهم احتملوا رفضي للقاء، المهم أنني تناسيت ما حدث فقد صرت أمام الأمر الواقع، ورحنا نتبادل النقاش عن كثير من الأمور العامة، كما دار الحديث عن أحوالي وظروف الحياة في فرنسا، وأخبرني أنه يحترم قلمي وسبق له وأن شاهدني في بعض البرامج بالقنوات الفضائية، ليضيف بأنه طلب اللقاء من أجل التعارف بيننا بعدما أخفق اللقاء الأول في لشبونة، وأنه يحترم المعارضة الجزائرية في الخارج. كما حاول استدراجي للحديث عن تجربتي العسكرية، إلا أنني رحت أتحدث عن تلك المرحلة كماضٍ قد ذهب لحاله، وأن الأمور تغيرت على ما كانت عليه عندما كنت في المؤسسة العسكرية .
حدثني أيضا عن الدعوى التي رفعتها ضد الوزير الأسبق وزعيم حركة "حمس" أبوجرة سلطاني بسويسرا، وأنه تابع فصول القضية وما أثارته من جدل، وعبّر عن تضامنه المطلق معي حتى استرجع حقوقي كاملة. ثم راح يشيد بكتابي "طوفان الفساد وزحف بن لادن في الجزائر" الذي أحدث ضجة وصادرته مصر، ووصفه بأنه جريء ومتميز، فأدركت لحظتها أن النسخة المطبوعة التي أرسلتها لمكّاوي وبرّادة كما سيأتي لاحقا، قد ذهبت إليه وليس للتوزيع كما زعموا .
ليصل الحوار بيننا عن الشكوى المرفوعة لدى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بجنيف، وراح يحدثني عن أسماء المسؤولين الذين تمّ ذكرهم في الشكوى. وقد أبدى اهتماما بالغا بالأمر، وأشار بطريقة مبطّنة إلى أن تلك الشكوى لم تحدث من قبل، وإدانة الجزائر في جنيف هي تعني الكثير بالنسبة لحقوق الإنسان في العالم، وإن كان يؤكد بلسان حاله مدى أهميتها لدى المغرب، فجالت بخاطري ما رويناه من قبل عن السجالات التي تحدث من حين لآخر في جنيف بين سفير الجزائر ونظيره المغربي حول حقوق الإنسان في الجزائر والمغرب والصحراء الغربية.
ومما يمكن تسجيله هنا أن المنصوري نصحني بأن أساعد الأشخاص الذين أعرف من أجل تقديم شكاوى ضد الجزائر في الأمم المتحدة، وخاصة تلك التي تتعلق بالتعذيب والاعتقال التعسفي والمفقودين.. إلخ. وقد حاولت أن اسأله في بعض الأمور وخاصة تلك التي تتعلق بالعلاقات بين البلدين، وقد كشف لي من أن الملك محمد السادس ممتعض كثيرا من غلق الحدود البرية، ومن جهة أخرى أشار إلى أنه يجب دعم الحكم الذاتي لوضع حد نهائي للنزاع، وبداية صفحة جديدة من العلاقات الثنائية .
وأذكر أنني سألته بصراحة عن ما تروجه الصحف المغربية عما تسميها "الصحراء الشرقية"، فقد قال لي بالحرف الواحد: "هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، هي أمر تاريخي ولدينا الأدلة على مغربية الصحراء الشرقية، ولكن نحن مستعدون لطي الصفحة بشرط أن توقف الجزائر دعمها للانفصاليين"، فقلت له: "وإن لم يحدث ذلك فماذا بوسعكم كدولة القيام به؟"، فأجاب قائلا: "نعمل الكثير وسنحرج الجنرالات بما نملك من ملفات عن قضيتنا وأيضا عن الإرهاب الدولي الذي ينطلق من الجزائر". ثم أردف قائلا: "نحن نحب الجزائر وشعبها ولكن نحب وطننا أكثر، وأقاليمنا الجنوبية مقدسة " .
لقد كان يتحدث من دون احتراس وإن كان ظل يفضل العموميات على التفاصيل، ومن الأشياء التي يجب أن نشير إليها وهي التي تتعلق بالمفاوضات مع جبهة البوليزاريو التي يشارك فيها كممثل للمغرب، أكّد الرجل لي من أنها مناورة فرضتها عليهم الأمم المتحدة، وأنهم كدولة لا ينتظرون منها شيئا ولا يمكن أن يتنازلوا لصالح البوليزاريو ولو بقشة من الصحراء. وأذكر أنني سألته قائلا: "ماذا لو تفرض الأمم المتحدة استفتاء تقرير المصير عليكم؟"، أجاب قائلا: "لن تتجرّأ على ذلك، وإن فعلتها فلن تصل لشيء، لأن الصحراويين ذابوا في المغرب والمغاربة ذابوا في الصحراء". بل علّق على الأمم المتحدة بما لم أتصوره حيث قال: "الأمم المتحدة مجرّد هيكل شكلي لا روح فيه، تسيطر عليه القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا، ونحن والحمد لله أمريكا معنا إلى النهاية، ومبعوثها الأممي إن لم يستقل في نهاية المطاف سيجد نفسه مجبرا على تنفيذ الحكم الذاتي الذي لا بديل عنه " .
أما عن الإعلام ودوره في المنطقة المغاربية، فقد أشار المنصوري وبحكم تجربته على رأس وكالة أنباء المغرب العربي الرسمية، من أن الصحف الجزائرية تثير فتنة، وما يأتي في الصحف المغربية هو مجرّد ردّ فعل فقط، أما الوكالة الرسمية فهي تنأى بنفسها حتى لا تتورّط في مثل هذه الأمور، وقد فاجأني عندما تحدث قائلا: "ألا تذكر ما حدث بين الجزائر ومصر، ألم يتورط الإعلام في ذلك.."، قاطعته قائلا: "لكن الإعلام المصري هو الذي تطاول على تاريخنا وثورتنا وقيمنا"، فردّ: "صحيح أن ما فعله الإعلام المصري هو مرفوض وندينه كمغاربة يربطنا تاريخ ثوري مشترك ولدينا شهداء سقطوا في أرض الشرف بالجزائر، ولكن أيضا الشروق تجاوزت الخطوط الحمراء"، قلت له: "الشروق كانت في موضع الدفاع مثلما قلت عن الصحف المغربية، وقد واجهت ترسانة فضائية رهيبة". ليعقب: "صراحة الشروق جريدة فتنة وهي تزعجنا إلى ما لا يمكن تصوره بمتابعاتها لقضيتنا الوطنية ولدعمها للانفصاليين " .
ثم أضاف: "يجب على السلطات في الجزائر أن توقف صدور الصحيفة أو تمنعها من التحدث في شأن العلاقات بين البلدين، حتى ننتهي من تصفيات كأس إفريقيا لأنها قد تثير فتنة بيننا". فقلت له: "أنا أكتب في الشروق منذ زمان، وأعرف طاقمها جيدا وهي ليست بهذا السوء الذي تتحدث عنه". ضحك وهو يقول: "أعرف أنها تنشر لك بعض مقالاتك، لكنها لا تنشر لك ما تكتب عن الانفصاليين وتريد أن تظهر من أنها جريدة الرأي والرأي الآخر فقط"، ثم أضاف: "الأمر في غاية الخطورة إن لم نتداركه قبل فوات الأوان".
يبدو انه فهم الرسالة، إلا أنه أوصاني بأن يظل على اتصال بي عبر قنوات مختلفة ومن بينها حسب الإيحاء الذي فهمته، هو المدعو رضا طوجني الذي سبق وأن أشرنا إليه وهو الذي سيتبيّن لاحقا من خلال اللقاءات التي جمعتنا سويا في فرنسا والمغرب، واستعماله للكاميرا السرية على حد ما اعترف به لاحقا، فضلا من كل ذلك أن المنصوري وصفه بالصديق الحميم .
علّق رئيس المخابرات المغربية على الأمم المتحدة بما لم أتصوره حيث قال: "الأمم المتحدة مجرّد هيكل شكلي لا روح فيه، تسيطر عليه القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا، ونحن والحمد لله أمريكا معنا إلى النهاية".
إظهار الحقيقة ولو تكون في صالح الشيطان
شاركت في الندوة التي انعقدت بتاريخ 24/04/2010 حيث انتقدت جميع الأطراف، وشهدت ترويجا إعلاميا مكثفا عبر كل القنوات والصحف المغربية، وتسابق الصحفيون المشاركون في أخذ تصريحاتي، ولكن المعيب والمشين، هو عدم نشر أدنى نقد قد وجهته للمغرب، وحتى من أشار إليه فعلى سبيل الحديث العابر والمبطن لإبراز الديمقراطية والاستقلالية فقط .
افتتحت محاضرتي بالقول: "سأنطلق في حديثي من خلال مصطلحات أقرتها الأمم المتحدة حتى لا نحمّل ما لا طاقة لنا به، سنسمي الصحراء بالصحراء الغربية، ونذكر المخيمات على أنها مخيمات اللاجئين. وهذه المصطلحات يجب أن تبقى في إطارها الأممي"، وأضفت مؤكدا: "أنا هنا كاتب وصحافي فقط ولست معارضا للنظام الجزائري كما تتناقل وسائل الإعلام، فعندما تكون إساءة هذه النظام فسأكشفها للعلن وإن أحسن فلا أتردد أبدا في الإشادة به. أقول ذلك لتوضيح أمر في غاية الأهمية، ويتعلق أساسا بالصورة النمطية التي صارت منتشرة، وهي أن المعارض لا يبحث إلا عن المساوئ ولا يترصد إلا للعيوب ولا يتصيد إلا للمفرقعات، وهو الذي أفقده مصداقيته كثيرا في الأوساط الشعبية، وجعل جماهيرية المعارضات في العالم العربي والإسلامي مجرد ديكور إما يصنع أعراس السلطة والأنظمة، أو أنها مهمشة لا تقدر على جمع سكان حي على اتفاق مطالبة رؤساء البلديات بتحسين قنوات تصريف المياه القذرة… المعارضة لم أكن منها يوما ولا انتميت لحزب ولا لجمعية ولا ترشحت ولا تطلعت لمنصب ولا ناصرت مرشحا مهما كان انتماؤه، فلو أحسب عليها سيفقد كلامي مصداقيته في ظل هذه المعارضات الهشّة التي صارت تبحث عن الأضواء ولو على حساب الحقيقة . كما قلت أنا كاتب وصحافي وحقوقي همّي إظهار الحقيقة ولو تكون في صالح الشيطان .
1 - الترويج للأصوات المجهولة واختلاق أخرى نكرة :
لقد ظهرت على المسرح الإعلامي بعض الأصوات المجهولة والتي تأتي من طرف أشخاص لا يعرفهم أحد، ولا كان لهم أدنى حضور سواء في الساحة الإعلامية أو السياسية أو حتى العسكرية. والغريب أن هؤلاء النكرات يتم الترويج لأكاذيبهم وشهاداتهم المزيفة والمزورة والكاذبة على أهم الصحف والقنوات المغربية، ويشاد بهم على صدر الصفحات الأولى وبالبنط العريض .
وكما لاحظنا أن الترويج يجري بداية في شؤون تتعلق بالجزائر، وبعدها يسقط هؤلاء من أجل الحفاظ على حضورهم الإعلامي في شباك الترويج للأطروحة المخزنية وخاصة المتعلقة بالصحراء الغربية والحدود والإرهاب وأمن المنطقة المغاربية. وطبعا من خلال هذه الوجوه النكرة والمجهولة يظل التسويق للمواقف المخزنية قائمة، كما يتواصل زرع الفتنة والبهتان وفق أجندة مدروسة تحدثنا عن بعض جوانبها فيما سبق. وحتى لا أشرف هؤلاء بذكر أسمائهم، أبقي على ما قلته فقط عن القضية بصفة عامة.
2 - صناعة شهرة مشروطة :
كما أشرنا، فإن الترويج لهؤلاء المجهولين الذين لا يفقهون شيئا في شؤون السياسة، ولا سبق لهم أدنى حضور إعلامي في الجزائر، ولا على مشهد المعارضة سواء في الأحزاب أو الجمعيات أو النقابات. وقد صار بعضهم ممن يريد التسويق لبضاعته المفلسة أساسا، يستغلّ الشأن المغربي بما يخدم أجندتهم حتى يتم الترويج له، وهكذا فإن الشهرة التي يمنحها المخزن تظل مشروطة دوما بالدفاع عن أطروحاته والمتمثلة أساسا في :
- سيادة المغرب على الصحراء الغربية وفق منظور الحكم الذاتي المطروح .
- اتهام الجزائر بافتعال الصراع وتحميلها مسؤولية كل ما يحدث وجعلها الطرف الرئيسي في ذلك .
- الترويج لفرضية أن اللاجئين الصحراويين هم في وضع الاحتجاز ولذلك فالمغرب لا يتحمل أدنى مسؤولية على هذه المأساة الدولية .
- تبييض الملف الحقوقي للمغرب وتسويد الجانب الجزائري ومعه جبهة البوليزاريو .
- الحفاظ على هذا الأمر سيضمن لهؤلاء التواجد المستمر على الصحف والمواقع المغربية، وغالبا مثل هذه الأمور تنسب لهؤلاء المجاهيل الذين صنعهم الإعلام المغربي ويحافظ دوما على استمرار نعيقهم في الساحة، وفق منظور حددت مسبقا معالمه.