التعليم في الصحراء الغربية ماضي، حاضر وآفاق إعداد : حمه المهدي
ظل التعليم مرافقا للقبائل الصحراوية الحريصة على تلقين الأبناء منذ نعومة أظافرهم حفظ القرآن الكريم وتعلم أحكام الدين وقواعد اللغة العربية، فالمدرسة مؤسسة عريقة جدا رافق قيامها أصول القبائل العربية القادمة من شبه الجزيرة العربية إلى المنطقة والفتح الإسلامي، وفي إقليم الصحراء الغربية يعود وجود المدرسة القرآنية إلى القرن التاسع الهجري تقريبا وذلك بعد أن وصل الإسلام إلى هذا الإقليم، إلا أن التعليم ظل يتطور مع مرور الزمن وينتقل من طابعه التقليدي "البداوة " إلى طابعه الحضاري المؤسساتي وقد مر بعدة مراحل ...
التعليم في ظل الاحتلال الاسباني
إلا أن المدرسة الصحراوية في الحقبة الاستعمارية الاسبانية قيدت التعليم وفق المناهج الاسبانية وهي سياسة خطيرة تهدف لسلخ الجيل الجديد عن جيل الآباء وكان الطابع العام الغالب على الشعب الصحراوي الحفاظ على ذلك ما جعل الانخراط في هذه المدارس الاسبانية يكون ضئيل بخلاف الإقبال الواسع على المدارس القرآنية
يقول احد الذين درسوا في المدرسة الاسبانية في الصحراء الغربية ((البرنامج المطبق في مدارس الصحراء الغربية كان نفس البرنامج الاسباني المركزي ... وكنا نصدم ونتميز غيظا عندما يلقنونا الثقافة المدنية الفرانكية وتاريخ الفتوحات الاستعمارية الاسبانية. فهدف المدارس الاسبانية الأول كان احتواء الشبيبة الصحراوية وربطها بإسبانيا، بعد تشويه والحط من قيمة قيمنا التقليدية العامة وعاداتنا في القناعة والتقشف ومن اجل إنجاح هذا المشروع استعانت المدرسة بمنظمات شبيبة فرانكية .
والفرق التي تم تكوينها جمعت الذكور والإناث وكنت عضوا في إحداها ونظمت لنا رحلات إلى اسبانيا للتعرف "على الوطن الأم ؟! " وكنا نعقد اجتماعات دورية نناقش فيها المجتمع الذي يجب أن نختاره ضمن التوجه العام المرسوم للإدماج مع الحضارة الأوروبية الغربية...جاءنا ظرف أصبحت فيه المقاومة لكل هذا غير مجدية .
والمجال الوحيد الذي يئست اسبانيا من قدرتها على التدخل فيه هو مجال الدين: ـ صحيح أن المدارس كانت كاثوليكية جدا والجو فيها يشعرك بنفوذ الكثلكة إلا انه لا القسيس ولا الإرساليات التبشيرية استطاعوا جذبنا لاعتناق الديانة المسيحية)).
ويقول طالب أخر ((باعتبارنا كنا طلابا في المدارس الفرانكية ...كنا نعلم يقينا أننا سائرون نحو قطيعة مع اسبانيا وانفصال عنها .. ولابد من الاعتراف أننا كنا ـ ظاهريا على الأقل ـ قد سرت فينا بعض الشيء عدوى إغداق الامتيازات الممنوحة من قبل اسبانيا وفي نفس الوقت كان شعورنا عميقا بذنب التخلي عن تقاليدنا هذا التخلي الذي جعلنا عرضة لاصطدامات لا تحصى مع ذوينا داخل أسرنا ... كانوا يعيبون علينا أننا فقدنا الإيمان والإسلام ... ومن خلالنا كانت اسبانيا تأمل التأثير على أسرنا )).
ولخوف اسبانيا من تكون جيل واعي وقادر على إعلان ثورة طبقت سياسة التجهيل ولم تدرس إلا القلة الذين كانت تعول عليهم في محاربة العادات والتقاليد الصحراوية ونشر نمطها الاجتماعي وهذا ما جعل حركة التحرير الصحراوية تتأخر عن مرافقة حركات التحرر في إفريقيا مما عقد القضية بعد ذلك وأعطى الفرصة
ومن خلال ما تقدم نلاحظ إهمال الإدارة الاسبانية للتعليم في مستعمرتها السابقة الصحراء الغربية وعن هذه الحال يقول وزير للتعليم سابق: "انطلقنا من الصفر إذ لم يكن لدينا أي شيء من النظام الإداري الاستعماري ننطلق منه لبناء مناهجنا التربوية والمدرسية ... لم يكن لدينا سوى 14 معلما أهلتهم اسبانية والإرادة الجادة لدى الذين لديهم بعض الإلمام ويقدمونه " ( )
ورغم الظروف الصعبة التي خلفها الاستعمار الاسباني إلا ان الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أسست النواة الأولى للمنظومة التربوية في تلك المرحلة واستطاعت في وقت وجيز توعية الشعب الصحراوي بالحقوق الأساسية، كالوقوف في وجه الاحتلال مهما كان نوعه أو أسلوبه، كما نشرت الوعي بالجوانب الحياتية عامة ودروس محو الأمية للكبار والتدرج في التعليم للصغار لصنع جيل قادر على بناء دولة المستقبل وجعلها في مصاف الدول المتحررة والمتقدمة أيضا ...
التعليم في المناطق المحتلة
من خلال ما سبق يتبين الحرص الشديد الذي تميز به الأجداد على تعليم الأبناء ومحافظة الشعب الصحراوي على التعلم رغم ضعف المدرسة الصحراوية خلال الحقب الاستعمارية بسبب سياسات التجهيل التي كانت تمارسها القوى الاستعمارية ضد الشعب الصحراوي ولازالت تلك السياسة التي تستهدف تجهيل الشعب الصحراوي تمارسها إدارة الاحتلال المغربي من خلال إقصاء المتفوقين الصحراويين وحرمانهم من الشهادات العليا وافتقار المناطق المحتلة للجامعات وحتى الفروع الجامعية وإرغام من يريد متابعة دراسته بالذهاب إلى المغرب والدراسة هناك لمحاولة التأثير على أفكارهم ومغربتهم وجعل التعليم موجها للسياسة الاستعمارية لكن الواقع اثبت العكس حيث لاحظنا المظاهرات المنددة بالاحتلال من داخل الجامعات المغربية.
واستطاع الطلبة نقل قضيتهم من المناطق المحتلة إلى داخل المغرب ففي الفترة الممتدة بين ألــ 1975 م إلى 1985 م و1987 م أصبح الشباب الصحراوي في الجامعات المغربية كتلة لا بأس بها قادرة على قلب الأوضاع في المناطق المحتلة وداخل المغرب أضف إلى ذلك أنهم الطبقة المثقفة الأولى من الصحراويين وقد كانوا مثقفين إلى حد كبير، أدرك المغرب آنذاك خطورة هؤلاء وخاصة اثر الانتفاضة التي عقبة البعثة الأممية سنة 1987م، أحس المغرب بخطورة الوضع وتم الحكم على 6000 شاب وشابة صحراويين أن لا يكملوا تعليمهم الجامعي، ولكن بأية حجة لا تثير الرأي العام الدولي والإقليمي أو المحلي الصحراوي.
وظل نظام ... الحسن الثاني يمارس سياسة التجهيل في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية بشتى الأساليب والوسائل ومن بعده إدارة خلفه محمد السادس الذي كثر لغطه ووعوده بالقطيعة مع الماضي وبداية صفحة جديدة لكن سنوات الرصاص بالنسبة للمناطق المحتلة لم تنتهي بعد فلم يتغير شيء سو اسم الملك من ثاني إلى سادس، فسياسة التجهيل لازالت قائمة على ارض الواقع لا تزال المناطق المحتلة تفتقر إلى الجامعات والمعاهد العليا وظل قطاع التعليم في ذيل القطاعات المهمشة والتي لا تصغي سلطات الاحتلال لنداءات منظمات حقوق الإنسان المنادية بخطورة الوضع وبحق الصحراويين في التعليم. وضرورة بناء مدارس لكل المستويات لان التعليم حق تكفله كل النظم والقوانين الدولية .
إلا انه لا حياة لمن تنادي، فالتعليم في نظر إدارة الاحتلال يساوي الوعي ومن ثم الثورة التي تفضي إلى التحرر والمطالبة بالاستقلال، ومن هذه المخاوف بدأت إدارة الاحتلال في انتهاج سياسة ممنهجة لتجهيل أهل المنطقة وتحويلهم إلى دمى تتحكم فيهم وتقلبهم حيث تشاء، إلا أن عزيمة الشعب الصحراوي أقوى من أن تقف في وجهه سياسات طائشة، وقد كانت من الأمور التي أراد الاحتلال من خلالها أن يسهل بها عملية تجهيل المجتمع الصحراوي نشر الآفات الاجتماعية وإغراق المناطق المحتلة بالمسكرات والمخدرات وبناء دور اللهو والبغاء والدعارة ومحاولة زرع الفرقة بين الصحراويين بتقديم امتيازات للذين يغريهم الاحتلال من الخونة وبعض المرتزقة من البلدان المجاورة، السياسية وحظر الحديث في القضايا السياسية ومصادرة الآراء وقد فضحت سياسات المخزن في هذا الاتجاه أكثر من مرة، ورغم كل تلك الجهود الخسيسة التي يقوم بها الاحتلال المغربي إلا أن الشباب الصحراوي استطاع ان يطور من مستوياته العلمية عبر كل الوسائل، واستطاع ان ينشط على شبكة المعلومات الدولية الانترنت، معرفا بقضيته الوطنية وفاضحا الوضع السافر لحقوق الإنسان بالأرض المحتلة .
وقد شكل الإجماع الصحراوي الرافض للاحتلال وسياساته الممنهجة لتجهيل الشعب الصحراوي وفرض سياسة أمر الواقع أن يكسر القيود المفروضة وان تنطلق المظاهرات والمسيرات المنددة بالاحتلال بفعل الوعي السياسي الذي حتما وقف وراءه مثقفين استطاعوا التأثير في الجماهير وتوعيتها بمسؤولياتها تجاه الغطرسة والظلم والاستعمار.
ورغم كل هذا فإن الوعي في الأرض المحتلة في تطور ملحوظ خاصة بعد انطلاق انتفاضة الاستقلال ماي 2005 التي أعلنها ويقودها شباب مثقفون ...
التعليم في مخيمات اللاجئين
كان التعليم مع بداية الثورة قويا رغم قلة الإمكانيات وفترة الحرب وقد أدركت الحكومة الصحراوية في ذلك الوقت ما للتعليم من دور فعال في تحرير الشعوب من ظلام الجهل والاستعمار وعملت منذ إعلان قيام الدولة الصحراوية على إنشاء منظومة تعليمية وتربوية محكمة كانت نواتها الأولى في ظروف الحرب والتعليم تحت ظل الطلح والصخور في بداية الغزو المغربي رغم حالت أللاستقرار والقصف المغربي المكثف ليتطور مع مرور الزمن وبعد نقل النازحين إلى ملاجئ أمنة وهنا بدا العمل الدؤوب لبناء مدارس في جميع مناطق المخيمات والولايات والدوائر التي شكلت في الملجئ وكان التعليم بكل مراحله إجباري، وتطور الحال حتى أصبح في كل الولايات مدارس ابتدائية ومتوسطات ودور للطفولة حيث يوجد في كل دائرة دار للحضانة "التعليم ما قبل المدرسي" وهي مرحلة تسبق المرحلة الابتدائية وهي تستقبل الأطفال مابين 3 الى 6 سنوات، وكذا لكل دائرة مدرسة ابتدائية خاصة بها تدرس الأطفال ما بين السن 7 الى 13 سنة وبعد هذه المرحلة ينتقل الطلبة الى المدرسة الإعدادية والثانوية في مدرسة 12 أكتوبر و9 يونيو ولان هذه المدارس الداخلية لا تستوعب جميع الطلبة يتم إرسال الأطفال إلى الدول الصديقة للشعب الصحراوي لاستكمال دراستهم مثل الجزائر وهي أكثر الدول استقبالا للطلبة الصحراويين وليبيا وسوريا وكوبا وفنزويلا وأوروبا وبعض دول العالم الأخرى التي تساند قضية الشعب الصحراوي ويتم إكمال التعليم الجامعي في الخارج كما توفر الدولة الصحراوية مدارس خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين في كل الولايات معاهد ومدارس تأهيلية ودروس محو الأمية دون أن ننسى فكرة بناء مدارس بالمناطق المحررة والتي بدأت تتجسد على الأرض من خلال مدرسة منطقة امهيريز المحررة والتي بدأت تدرس الطلبة ومحاولة نقل التجربة إلى باقي المناطق المحررة
ورغم كل تلك الجهود التي بذلت إلا انه كما يقال كلما زادت إمكاناتنا قل إنتاجنا وتراجع تسييرنا ففي السنوات الأخيرة بدا التعليم يضعف وأصابه الكثير من الفتور والتسيب وتسربت الإطارات التي اكتسبت الخبرة إلى مشاغل دنيوية أخرى بسبب (.....) ظاهرة البحث عن المادة التي بدأت تطفوا على السطح بعد وقف إطلاق النار وأصبح يتصدر التعليم كل من هب ودب دون وجود معيار يحدد أهلية من يمكنه التدريس من غيره وشهدت منظومة التعليم اضطرابات كثيرة وانعكس ذلك على تحصيل الطلبة وهو ما جعل بعض الغيورين على قطاع التعليم يدق ناقوس الخطر محذرا من الاسواء
عقبات راهنة وآفاق مستقبلية
لا شك ان التعليم يتصدر أولويات الدول المتقدمة والثورات الناجحة لأنه العاصم من التخلف والجهل والتبعية للغير وتعمل الدول المتطورة على تخصيص ميزانيات ضخمة للنهوض بهذا الجانب وتشجيع البحث العلمي وبإمكان الدولة الصحراوية ان تستغل خبرات المثقفين والخرجين وأصحاب المعاهد والتكوين الذين وفرت لهم الدولة ظروف التعليم ثم يتجهون الى الخارج بسبب الإهمال والإقصاء الذي يتعرضون له بطريقة او بأخرى ويحرم قطاع التعليم من خبرات هؤلاء وهو ما سبب عوائق تمثلت في عدم تطوير المناهج المتبعة والكتب المدرسية وهنا يقول معلم سابق ان التعليم لم يعد كما كان والمفتش لايطلع على حقيقة التعليم وإنما يكتفي بالشكليات ضعف توفر وسائل الإيضاح صور خرائط بالإضافة الى عدم وجود حوافز تشجيعية للمعلم وعدم ترقيته رغم طول المدة والتجربة، ضف الى ذلك ضعف التوظيف فمثلا تصوروا ان راسب في المتوسط يدرس السنة السادسة!، كذلك الأسلوب التربوي ضعيف جدا في الكثير من المدارس بسبب غياب الثقافة الدينية ونلاحظ أيضا ضعف التلاميذ في المواد المهمة كالحساب وقواعد اللغة العربية والخط، فالتعليم يحتاج منا الى الكثير من الجهود دون انتظار شي يأتي من السماء، فالسماء لا تمطر الذهب ولا الفضة فلابد من تكثيف حصص الاستدراك بدل المراجعة الليلية التي لا تجدي نفعا في غياب المعلم، كذلك زرع ثقافة حب التعلم بين الأبناء والآباء وخلق فضاء تنافسي داخل المدرسة .
المهم عند الكثيرين هو الاستفادة من الجولة إلى اسبانيا والحصول على تأشيرة وهذا أمر خطير إذ استغل الكثير من المعلمين "المجبرين" التعليم واتخذوه مطية للعبور إلى ما وراء البحر ...
لابد أيضا من توفير الراحة للمعلم خاصة المادية، لان سبب تسرب الكثير من المعلمين هو المادة،
غياب الرقابة الإدارية والإهمال الأسري للتلميذ وجعل التلميذ لا يفكر إلا في غياب المعلم الذي عودهم على الغياب او العطلة التي تتكرر بسبب كثرة المناسبات والظروف الطبيعية فلا يستفيد التلاميذ من السنة الدراسية سوى الرحلة الصيفية التي تضمنها المنظمات الإنسانية؟ لابد من تخصيص ميزانيات للبحث العلمي ومحاسبة القائمين على التعليم ومراقبة سير المنظومة التربوية ورفض التقارير الأدبية المحشوة التي تكتب عادة وقت تقديمها وتفرغ من الحقيقة وتقدم لذر الرماد في العيون حتى صار التعليم الآن يسير عكس التيار لأنك إذا أردت أن تنظر إلى مستوى التعليم انظر الى التحصيل فإذا أردنا ان ننهض فعلا به لابد من الإرادة الحقيقة للساسة ووزراء التعليم حتى نعيد قطار التعليم إلى سكته وطريقه العلمي النهضوي والحضاري ولان التعليم من الوزارات الحساسة والتي لا تحتمل تعاقب التجارب والوزراء مع كل مؤتمر ...
وعلى كل نتمنى ان نشهد في السنوات القادمة تغيير حقيقي، وتطور في قطاع التعليم .
ظل التعليم مرافقا للقبائل الصحراوية الحريصة على تلقين الأبناء منذ نعومة أظافرهم حفظ القرآن الكريم وتعلم أحكام الدين وقواعد اللغة العربية، فالمدرسة مؤسسة عريقة جدا رافق قيامها أصول القبائل العربية القادمة من شبه الجزيرة العربية إلى المنطقة والفتح الإسلامي، وفي إقليم الصحراء الغربية يعود وجود المدرسة القرآنية إلى القرن التاسع الهجري تقريبا وذلك بعد أن وصل الإسلام إلى هذا الإقليم، إلا أن التعليم ظل يتطور مع مرور الزمن وينتقل من طابعه التقليدي "البداوة " إلى طابعه الحضاري المؤسساتي وقد مر بعدة مراحل ...
التعليم في ظل الاحتلال الاسباني
إلا أن المدرسة الصحراوية في الحقبة الاستعمارية الاسبانية قيدت التعليم وفق المناهج الاسبانية وهي سياسة خطيرة تهدف لسلخ الجيل الجديد عن جيل الآباء وكان الطابع العام الغالب على الشعب الصحراوي الحفاظ على ذلك ما جعل الانخراط في هذه المدارس الاسبانية يكون ضئيل بخلاف الإقبال الواسع على المدارس القرآنية
يقول احد الذين درسوا في المدرسة الاسبانية في الصحراء الغربية ((البرنامج المطبق في مدارس الصحراء الغربية كان نفس البرنامج الاسباني المركزي ... وكنا نصدم ونتميز غيظا عندما يلقنونا الثقافة المدنية الفرانكية وتاريخ الفتوحات الاستعمارية الاسبانية. فهدف المدارس الاسبانية الأول كان احتواء الشبيبة الصحراوية وربطها بإسبانيا، بعد تشويه والحط من قيمة قيمنا التقليدية العامة وعاداتنا في القناعة والتقشف ومن اجل إنجاح هذا المشروع استعانت المدرسة بمنظمات شبيبة فرانكية .
والفرق التي تم تكوينها جمعت الذكور والإناث وكنت عضوا في إحداها ونظمت لنا رحلات إلى اسبانيا للتعرف "على الوطن الأم ؟! " وكنا نعقد اجتماعات دورية نناقش فيها المجتمع الذي يجب أن نختاره ضمن التوجه العام المرسوم للإدماج مع الحضارة الأوروبية الغربية...جاءنا ظرف أصبحت فيه المقاومة لكل هذا غير مجدية .
والمجال الوحيد الذي يئست اسبانيا من قدرتها على التدخل فيه هو مجال الدين: ـ صحيح أن المدارس كانت كاثوليكية جدا والجو فيها يشعرك بنفوذ الكثلكة إلا انه لا القسيس ولا الإرساليات التبشيرية استطاعوا جذبنا لاعتناق الديانة المسيحية)).
ويقول طالب أخر ((باعتبارنا كنا طلابا في المدارس الفرانكية ...كنا نعلم يقينا أننا سائرون نحو قطيعة مع اسبانيا وانفصال عنها .. ولابد من الاعتراف أننا كنا ـ ظاهريا على الأقل ـ قد سرت فينا بعض الشيء عدوى إغداق الامتيازات الممنوحة من قبل اسبانيا وفي نفس الوقت كان شعورنا عميقا بذنب التخلي عن تقاليدنا هذا التخلي الذي جعلنا عرضة لاصطدامات لا تحصى مع ذوينا داخل أسرنا ... كانوا يعيبون علينا أننا فقدنا الإيمان والإسلام ... ومن خلالنا كانت اسبانيا تأمل التأثير على أسرنا )).
ولخوف اسبانيا من تكون جيل واعي وقادر على إعلان ثورة طبقت سياسة التجهيل ولم تدرس إلا القلة الذين كانت تعول عليهم في محاربة العادات والتقاليد الصحراوية ونشر نمطها الاجتماعي وهذا ما جعل حركة التحرير الصحراوية تتأخر عن مرافقة حركات التحرر في إفريقيا مما عقد القضية بعد ذلك وأعطى الفرصة
ومن خلال ما تقدم نلاحظ إهمال الإدارة الاسبانية للتعليم في مستعمرتها السابقة الصحراء الغربية وعن هذه الحال يقول وزير للتعليم سابق: "انطلقنا من الصفر إذ لم يكن لدينا أي شيء من النظام الإداري الاستعماري ننطلق منه لبناء مناهجنا التربوية والمدرسية ... لم يكن لدينا سوى 14 معلما أهلتهم اسبانية والإرادة الجادة لدى الذين لديهم بعض الإلمام ويقدمونه " ( )
ورغم الظروف الصعبة التي خلفها الاستعمار الاسباني إلا ان الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أسست النواة الأولى للمنظومة التربوية في تلك المرحلة واستطاعت في وقت وجيز توعية الشعب الصحراوي بالحقوق الأساسية، كالوقوف في وجه الاحتلال مهما كان نوعه أو أسلوبه، كما نشرت الوعي بالجوانب الحياتية عامة ودروس محو الأمية للكبار والتدرج في التعليم للصغار لصنع جيل قادر على بناء دولة المستقبل وجعلها في مصاف الدول المتحررة والمتقدمة أيضا ...
التعليم في المناطق المحتلة
من خلال ما سبق يتبين الحرص الشديد الذي تميز به الأجداد على تعليم الأبناء ومحافظة الشعب الصحراوي على التعلم رغم ضعف المدرسة الصحراوية خلال الحقب الاستعمارية بسبب سياسات التجهيل التي كانت تمارسها القوى الاستعمارية ضد الشعب الصحراوي ولازالت تلك السياسة التي تستهدف تجهيل الشعب الصحراوي تمارسها إدارة الاحتلال المغربي من خلال إقصاء المتفوقين الصحراويين وحرمانهم من الشهادات العليا وافتقار المناطق المحتلة للجامعات وحتى الفروع الجامعية وإرغام من يريد متابعة دراسته بالذهاب إلى المغرب والدراسة هناك لمحاولة التأثير على أفكارهم ومغربتهم وجعل التعليم موجها للسياسة الاستعمارية لكن الواقع اثبت العكس حيث لاحظنا المظاهرات المنددة بالاحتلال من داخل الجامعات المغربية.
واستطاع الطلبة نقل قضيتهم من المناطق المحتلة إلى داخل المغرب ففي الفترة الممتدة بين ألــ 1975 م إلى 1985 م و1987 م أصبح الشباب الصحراوي في الجامعات المغربية كتلة لا بأس بها قادرة على قلب الأوضاع في المناطق المحتلة وداخل المغرب أضف إلى ذلك أنهم الطبقة المثقفة الأولى من الصحراويين وقد كانوا مثقفين إلى حد كبير، أدرك المغرب آنذاك خطورة هؤلاء وخاصة اثر الانتفاضة التي عقبة البعثة الأممية سنة 1987م، أحس المغرب بخطورة الوضع وتم الحكم على 6000 شاب وشابة صحراويين أن لا يكملوا تعليمهم الجامعي، ولكن بأية حجة لا تثير الرأي العام الدولي والإقليمي أو المحلي الصحراوي.
وظل نظام ... الحسن الثاني يمارس سياسة التجهيل في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية بشتى الأساليب والوسائل ومن بعده إدارة خلفه محمد السادس الذي كثر لغطه ووعوده بالقطيعة مع الماضي وبداية صفحة جديدة لكن سنوات الرصاص بالنسبة للمناطق المحتلة لم تنتهي بعد فلم يتغير شيء سو اسم الملك من ثاني إلى سادس، فسياسة التجهيل لازالت قائمة على ارض الواقع لا تزال المناطق المحتلة تفتقر إلى الجامعات والمعاهد العليا وظل قطاع التعليم في ذيل القطاعات المهمشة والتي لا تصغي سلطات الاحتلال لنداءات منظمات حقوق الإنسان المنادية بخطورة الوضع وبحق الصحراويين في التعليم. وضرورة بناء مدارس لكل المستويات لان التعليم حق تكفله كل النظم والقوانين الدولية .
إلا انه لا حياة لمن تنادي، فالتعليم في نظر إدارة الاحتلال يساوي الوعي ومن ثم الثورة التي تفضي إلى التحرر والمطالبة بالاستقلال، ومن هذه المخاوف بدأت إدارة الاحتلال في انتهاج سياسة ممنهجة لتجهيل أهل المنطقة وتحويلهم إلى دمى تتحكم فيهم وتقلبهم حيث تشاء، إلا أن عزيمة الشعب الصحراوي أقوى من أن تقف في وجهه سياسات طائشة، وقد كانت من الأمور التي أراد الاحتلال من خلالها أن يسهل بها عملية تجهيل المجتمع الصحراوي نشر الآفات الاجتماعية وإغراق المناطق المحتلة بالمسكرات والمخدرات وبناء دور اللهو والبغاء والدعارة ومحاولة زرع الفرقة بين الصحراويين بتقديم امتيازات للذين يغريهم الاحتلال من الخونة وبعض المرتزقة من البلدان المجاورة، السياسية وحظر الحديث في القضايا السياسية ومصادرة الآراء وقد فضحت سياسات المخزن في هذا الاتجاه أكثر من مرة، ورغم كل تلك الجهود الخسيسة التي يقوم بها الاحتلال المغربي إلا أن الشباب الصحراوي استطاع ان يطور من مستوياته العلمية عبر كل الوسائل، واستطاع ان ينشط على شبكة المعلومات الدولية الانترنت، معرفا بقضيته الوطنية وفاضحا الوضع السافر لحقوق الإنسان بالأرض المحتلة .
وقد شكل الإجماع الصحراوي الرافض للاحتلال وسياساته الممنهجة لتجهيل الشعب الصحراوي وفرض سياسة أمر الواقع أن يكسر القيود المفروضة وان تنطلق المظاهرات والمسيرات المنددة بالاحتلال بفعل الوعي السياسي الذي حتما وقف وراءه مثقفين استطاعوا التأثير في الجماهير وتوعيتها بمسؤولياتها تجاه الغطرسة والظلم والاستعمار.
ورغم كل هذا فإن الوعي في الأرض المحتلة في تطور ملحوظ خاصة بعد انطلاق انتفاضة الاستقلال ماي 2005 التي أعلنها ويقودها شباب مثقفون ...
التعليم في مخيمات اللاجئين
كان التعليم مع بداية الثورة قويا رغم قلة الإمكانيات وفترة الحرب وقد أدركت الحكومة الصحراوية في ذلك الوقت ما للتعليم من دور فعال في تحرير الشعوب من ظلام الجهل والاستعمار وعملت منذ إعلان قيام الدولة الصحراوية على إنشاء منظومة تعليمية وتربوية محكمة كانت نواتها الأولى في ظروف الحرب والتعليم تحت ظل الطلح والصخور في بداية الغزو المغربي رغم حالت أللاستقرار والقصف المغربي المكثف ليتطور مع مرور الزمن وبعد نقل النازحين إلى ملاجئ أمنة وهنا بدا العمل الدؤوب لبناء مدارس في جميع مناطق المخيمات والولايات والدوائر التي شكلت في الملجئ وكان التعليم بكل مراحله إجباري، وتطور الحال حتى أصبح في كل الولايات مدارس ابتدائية ومتوسطات ودور للطفولة حيث يوجد في كل دائرة دار للحضانة "التعليم ما قبل المدرسي" وهي مرحلة تسبق المرحلة الابتدائية وهي تستقبل الأطفال مابين 3 الى 6 سنوات، وكذا لكل دائرة مدرسة ابتدائية خاصة بها تدرس الأطفال ما بين السن 7 الى 13 سنة وبعد هذه المرحلة ينتقل الطلبة الى المدرسة الإعدادية والثانوية في مدرسة 12 أكتوبر و9 يونيو ولان هذه المدارس الداخلية لا تستوعب جميع الطلبة يتم إرسال الأطفال إلى الدول الصديقة للشعب الصحراوي لاستكمال دراستهم مثل الجزائر وهي أكثر الدول استقبالا للطلبة الصحراويين وليبيا وسوريا وكوبا وفنزويلا وأوروبا وبعض دول العالم الأخرى التي تساند قضية الشعب الصحراوي ويتم إكمال التعليم الجامعي في الخارج كما توفر الدولة الصحراوية مدارس خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين في كل الولايات معاهد ومدارس تأهيلية ودروس محو الأمية دون أن ننسى فكرة بناء مدارس بالمناطق المحررة والتي بدأت تتجسد على الأرض من خلال مدرسة منطقة امهيريز المحررة والتي بدأت تدرس الطلبة ومحاولة نقل التجربة إلى باقي المناطق المحررة
ورغم كل تلك الجهود التي بذلت إلا انه كما يقال كلما زادت إمكاناتنا قل إنتاجنا وتراجع تسييرنا ففي السنوات الأخيرة بدا التعليم يضعف وأصابه الكثير من الفتور والتسيب وتسربت الإطارات التي اكتسبت الخبرة إلى مشاغل دنيوية أخرى بسبب (.....) ظاهرة البحث عن المادة التي بدأت تطفوا على السطح بعد وقف إطلاق النار وأصبح يتصدر التعليم كل من هب ودب دون وجود معيار يحدد أهلية من يمكنه التدريس من غيره وشهدت منظومة التعليم اضطرابات كثيرة وانعكس ذلك على تحصيل الطلبة وهو ما جعل بعض الغيورين على قطاع التعليم يدق ناقوس الخطر محذرا من الاسواء
عقبات راهنة وآفاق مستقبلية
لا شك ان التعليم يتصدر أولويات الدول المتقدمة والثورات الناجحة لأنه العاصم من التخلف والجهل والتبعية للغير وتعمل الدول المتطورة على تخصيص ميزانيات ضخمة للنهوض بهذا الجانب وتشجيع البحث العلمي وبإمكان الدولة الصحراوية ان تستغل خبرات المثقفين والخرجين وأصحاب المعاهد والتكوين الذين وفرت لهم الدولة ظروف التعليم ثم يتجهون الى الخارج بسبب الإهمال والإقصاء الذي يتعرضون له بطريقة او بأخرى ويحرم قطاع التعليم من خبرات هؤلاء وهو ما سبب عوائق تمثلت في عدم تطوير المناهج المتبعة والكتب المدرسية وهنا يقول معلم سابق ان التعليم لم يعد كما كان والمفتش لايطلع على حقيقة التعليم وإنما يكتفي بالشكليات ضعف توفر وسائل الإيضاح صور خرائط بالإضافة الى عدم وجود حوافز تشجيعية للمعلم وعدم ترقيته رغم طول المدة والتجربة، ضف الى ذلك ضعف التوظيف فمثلا تصوروا ان راسب في المتوسط يدرس السنة السادسة!، كذلك الأسلوب التربوي ضعيف جدا في الكثير من المدارس بسبب غياب الثقافة الدينية ونلاحظ أيضا ضعف التلاميذ في المواد المهمة كالحساب وقواعد اللغة العربية والخط، فالتعليم يحتاج منا الى الكثير من الجهود دون انتظار شي يأتي من السماء، فالسماء لا تمطر الذهب ولا الفضة فلابد من تكثيف حصص الاستدراك بدل المراجعة الليلية التي لا تجدي نفعا في غياب المعلم، كذلك زرع ثقافة حب التعلم بين الأبناء والآباء وخلق فضاء تنافسي داخل المدرسة .
المهم عند الكثيرين هو الاستفادة من الجولة إلى اسبانيا والحصول على تأشيرة وهذا أمر خطير إذ استغل الكثير من المعلمين "المجبرين" التعليم واتخذوه مطية للعبور إلى ما وراء البحر ...
لابد أيضا من توفير الراحة للمعلم خاصة المادية، لان سبب تسرب الكثير من المعلمين هو المادة،
غياب الرقابة الإدارية والإهمال الأسري للتلميذ وجعل التلميذ لا يفكر إلا في غياب المعلم الذي عودهم على الغياب او العطلة التي تتكرر بسبب كثرة المناسبات والظروف الطبيعية فلا يستفيد التلاميذ من السنة الدراسية سوى الرحلة الصيفية التي تضمنها المنظمات الإنسانية؟ لابد من تخصيص ميزانيات للبحث العلمي ومحاسبة القائمين على التعليم ومراقبة سير المنظومة التربوية ورفض التقارير الأدبية المحشوة التي تكتب عادة وقت تقديمها وتفرغ من الحقيقة وتقدم لذر الرماد في العيون حتى صار التعليم الآن يسير عكس التيار لأنك إذا أردت أن تنظر إلى مستوى التعليم انظر الى التحصيل فإذا أردنا ان ننهض فعلا به لابد من الإرادة الحقيقة للساسة ووزراء التعليم حتى نعيد قطار التعليم إلى سكته وطريقه العلمي النهضوي والحضاري ولان التعليم من الوزارات الحساسة والتي لا تحتمل تعاقب التجارب والوزراء مع كل مؤتمر ...
وعلى كل نتمنى ان نشهد في السنوات القادمة تغيير حقيقي، وتطور في قطاع التعليم .