الجهاز المخزني يعمل لإشعال "حرب أهلية" بين الصحراويين بمخيمات تندوف
الحلقة الرابعة بقلم: أنور مالك
نواصل في هذه الحلقة تناول محاور عديدة نكشف في إطارها الكثير من الخفايا التي لم يسبق تناولها أو إثارتها للعلن، وهذا من أجل التأكيد على أن ما يجري في الخفاء هو خطير للغاية ويختلف كليّة عما نسمعه في الشعارات الحكومية والبرقيات الملكية والأفكار المتناثرة هنا وهناك.
راودتني الشكوك في فخّ قد تنصبه لي المخابرات المغربية، وصراحة شككت في اختطافي أو اغتيالي من أجل توريط جهات جزائرية في الأمر، وخاصة أنه جرى ترويج إعلامي من بعض المنابر الإعلامية، من أن حياتي صارت في خطر وهو الذي سنتحدث عنه لاحقا، وزادت شكوكي أكثر عندما أخبرني أنه لما انزل في مطار لشبونة سأجد سائق سيارة تابعة للسفارة في انتظاري، وهو يعرف الفيلا التي سيأخذني إليها والتي سنقضي فيها 5 أيام على الأقل.
فكرت في المغامرة، ولكن بعد تفكير عميق قررت أن لا أفعل ذلك، وخاصة أنني سأكون لوحدي، فقلت سألح على أن يرافقني قريبي ما دام الأمر بهذا الحجم، إلا أن مكّاوي ظل يعيد على مسمعي من أن المنصوري موافق على أسرتي فقط. فنقلت لمكاوي قراري برفض اللقاء مبررا ذلك بأسباب أمنية، بل أعلمته أنني صرت أسمع أصواتا غريبة في هاتفي، وأيضا تواجد سيارة مشبوهة بالقرب من بيتي، وكلما أغادر أحس بأشخاص يقتفون أثري، فاقتنع بدوره من أن المخابرات الفرنسية أو الجزائرية قد اكتشفت الأمر وهو ما سيكون له الأثر السيئ والوخيم على إقامتي ووجودي وحتى على حياتي. فقررنا بالاتفاق أن يؤجل اللقاء إلى وقت آخر مستقبلا حتى تحين ظروف أفضل، وتنسى الأجهزة التي تتابعني هذه القصة من أساسها.
وأذكر في هذا السياق أن مكاوي حاول أن يثنيني عن التبرّؤ من موقع »الجزائر تايمز«، بل قدم نفسه كوسيط بيني وبين الكونغرس المغربي في أمريكا من أجل خلق تعاون بيننا وهو الذي رفضته جملة وتفصيلا.
1 - ثغرات الغرب وحصون المخيمات في تندوف:
تعمل المخابرات المغربية كل ما في وسعها من أجل اختراق الصحراويين سواء في الغرب أو في مخيمات تندوف، أما في الداخل حيث المأساة الإنسانية التي يرتكبها المخزن في وضح النهار، فهم شعب تطالهم أجندة استخباراتية رهيبة، لم أر مثلها في حياتي إلا لما وقفت على كواليس منطقة الداخلة.
المعلومات التي توفرت لدي من خلال تجربتي أن المخابرات المغربية تعمل على ثلاث جبهات فيما يخص التسلل واختراق مخيمات تندوف، أولا تريد الوصول لتجنيد لاجئين صحراويين وخاصة من المسؤولين البارزين، من أجل تنفيذ عمليات فرار جماعية، التي من خلالها يمرر المخزن رسائله المختلفة عن واقع المخيمات والبيعة للعرش... الخ. أو يدفعونهم نحو القيام بعصيان مدني مناهض لقيادة البوليزاريو يكون مسوغا لأجل تأليب الرأي العام الدولي والحقوقي على ما يحدث في هذه المخيمات التي ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية، وقد كنت قبلها من دعاة حلّها وترحيلهم إلى الداخل بناء على أنه لا توجد حرب، ولكن لما زرت المنطقة وصلت لقناعة تامّة، أن بقاءهم في المخيمات أفضل من أن يرحّلوا إلى مخالب لا ترحم.
وثانيا أن هذا الجهاز يعمل على الرغبة الملحة للوصول إلى درجة تجنيد عسكريين أو موظفين في الجيش أو الأمن بتندوف، من أجل توفير معلومات عن تحركات قادة الجبهة وجيش البوليزاريو ورجال أمنها، وحتى حول ما يعتقدون أنه يتعلق بتهريب المخدرات والسلاح، وتذكر لي مصادر مطلعة أن المخابرات المغربية تسعى للوصول لكل الملفات المطروحة على الأمن الجزائري في تندوف وغيرها، سواء تتعلق بالإرهاب أو الجريمة المنظمة أو اللصوصية أو الفساد من أجل توظيفها في أطر تخدم مصالحها. أما الجبهة الثالثة وتتعلق بالجماعات الإرهابية التي تنشط في الساحل والصحراء، والتي لديها تواجد على الحدود مع موريتانيا، وهذا من أجل محاولة توريط صحراويين في جرائم الاختطاف والفدية وتهريب المتفجرات والألغام والسلاح.
كما تعمل كل ما في وسعها على مسعى إغراء الصحراويين من أجل الفرار من المخيمات نحو المغرب مباشرة أو عن طريق موريتانيا، وهذا من أجل توظيفهم في إطار حملة الحكم الذاتي الذي يحاول المخزن إبراز مدى التفاف الصحراويين حولها، وفي أرض الواقع قد كشف زيف ما يروجون له إعلاميا، ولكن تبقى قضية ما تسمى بالعائدين هي الدليل القوي والبرهان المادي الذي يسوقه المغرب لأجل تحقيق غايتين أساسيتين:
- أن اللاجئين في تندوف والذين يتبجح المغرب على أنهم محتجزون، لديهم إيمان بالحكم الذاتي ويناهضون أطروحات جبهة البوليزاريو.
- الحديث عن واقع المخيمات والمأساة الإنسانية التي تقع فيه، ومحاولة التسويق للانتهاكات الحقوقية التي يراد المغرب أن يمتطيها لتبرير مواقفه وتعنّته.
وطبعا تحقيق ذلك يأتي بالترويج لشهادات هؤلاء الفارين الذين بلا شك سيقولون أنهم مع الحكم الذاتي وأن المخيمات هي مقبرة حقوق الإنسان. وأذكر في هذا السياق أنه جرى التحدث معي حول هذا الأمر مع بعض بيادق المخابرات المغربية ممن انكشف أمرهم لاحقا، والذين سيأتي الحديث عنهم.
أمر آخر أن المخابرات المغربية تعمل على إثارة فتن قبلية وأخرى سياسية في المخيمات والمناطق المحررة التي تخضع لسلطة البوليزاريو، وذلك بدس عملاء يقومون بأدوار استفزازية لأجل إشعال فتيل المواجهات الدموية.
أمر آخر أن المخابرات المغربية تعمل على إثارة فتن قبلية وأخرى سياسية في المخيمات والمناطق المحررة التي تخضع لسلطة البوليزاريو، وذلك بدس عملاء يقومون بأدوار استفزازية لأجل إشعال فتيل المواجهات الدموية، وكل ذلك من أجل تبرير الاختراق والتوجيه والانتقامات المضادة وحتى خلق شبكات للمعارضة تحت غطاء حرية التعبير والديمقراطية والتعددية السياسية، وهي بلا شك ستكون ذريعة واضحة لضرب الاستقرار ومصداقية قادة الجبهة محليا ودوليا.
ونذكر في هذا السياق تسلل عناصر مخابرات في زيّ صحراوي وأحيانا على متن سيارات تبين لاحقا أنها تابعة للدولة المغربية، إلى بعض المناطق المدروسة بعناية فائقة، أو حتى الرباط على تخوم الجدار العنصري العازل، ويقومون بالتحرشات التي تستهدف السكان بغية إثارة النقمة بين صفوفهم حتى يغادروا بيوتهم نحو المناطق التي يحتلّها الجيش المغربي، ومن ثمة يقدمونهم على أنهم فارين مما يوصف بجحيم تندوف.
وأشارت لي بعض المصادر المهمة، أن الجهاز المخزني يعمل ليل نهار من أجل إشعال ما يسميها "حرب أهلية" أو "قبلية" بين الصحراويين خاصة بمخيمات تندوف، وهذا لأجل تصدير المواجهة إلى الطرف الآخر، وإشغاله بفتن داخلية ستطيل عمر الأزمة التي يراهن المخزن أن تبقى على حالها، لأن في حال إجباره على الرضوخ للمفاوضات وحل القضية تحت رعاية الأمم المتحدة، والتي ستصل حتما لتنفيذ مطلب الاستفتاء، سيفقد المغرب بلا شك حصونه ويخفق إخفاقا ذريعا في تحقيق أهدافه في الاستيلاء على ثروات الصحراء الغربية المسيلة للعاب.
2 - جمع المعلومات واحتكارها واستغلالها بطرق مشبوهة للغاية وتسريبها لأطراف معادية:
مما هو متعارف عليه أن أي جهاز مخابرات في العالم يعمل كل ما في وسعه ووفق الأساليب المختلفة من أجل الحصول على المعلومات، التي يمكن استعمالها في حينها وأخرى يقوم بتكديسها وحفظها للحاجة في المستقبل.
والأمر هذا تحرص عليه المخابرات المغربية كثيرا من خلال التحرّي والبحث وحتى من خلال العملاء العاديين، الذين يعملون بدورهم عبر شبكات علاقاتهم من أجل الظفر بأي شيء مهما كانت بساطته. ومن خلال تجربتي وتواصلي مع مغاربة كنت متيقنا من عملهم لجهاز المخابرات ولو على سبيل التطفل في أقل التقادير، أنهم كانوا يسعون من أجل كشف الخبايا التي أعرفها، وأهمها المعلومات العسكرية التي تتعلق بالجيش والتسليح ومواقع الثكنات وبطاريات الصواريخ والرادارات، وأسماء الضباط الفاعلين والذين يمكن أن يكون لهم حضور مستقبلا في المشهد القيادي، وأيضا العسكريون الذين أحوالهم الاجتماعية سيئة أو لديهم ظروف استثنائية أو طوارئ عائلية كمرض الوالدين أو أحد من أفراد الأسرة أو ديون متراكمة لدى البنوك.
من خلال تجربتي وتواصلي مع مغاربة كنت متيقنا من عملهم لجهاز المخابرات، أنهم كانوا يسعون من أجل كشف الخبايا التي أعرفها، وأهمها المعلومات العسكرية التي تتعلق بالجيش والتسليح ومواقع الثكنات وبطاريات الصواريخ والرادارات.
وقد أيقنت حينها أن المعلومات ستقدم لجهازهم وربما سيعملون من أجل الوصول لمن سأذكرهم، ولكن حرصا مني على أسرار المؤسسة التي تشرّفت يوما بالانتماء إليها، كنت أؤكد لهم أنني لا أعلم شيئا من ذلك، ولو تصلني أمور تكون مهددة لأمن المنطقة المغاربية لن أتأخر لحظة في كشفها إعلاميا، سواء كان المتورط من الجزائر أو المغرب أو بلد آخر.
أهم ما كان يحرص عليه جهاز المخابرات المغربي بعد اللاجئين الصحراويين الذين هم في رأس الاهتمام، نجد كل ما يتعلق بفترة التسعينيات وحرب الجيش على الإرهاب، وخاصة الكمائن والتمشيطات ومواقع الكتائب أثناء وقوع المجازر وعلى رأسها بن طلحة والرايس وبني مسوس والرمكة... الخ. وتفيد معلومات تحصلت عليها في فرنسا أن المغرب لعب دورا خفيّا في أطروحة من يقتل من؟ من خلال المعلومات الذي ظل يسربها للمخابرات الفرنسية وبعض الدوائر التابعة للأممية الاشتراكية، التي لعبت دورا محوريا في تلك التهم التي طالت المؤسسة العسكرية، وبنفسي وأثناء التحقيقات التي أجرتها معها دائرة اللجوء اكتشفت من خلال الأسئلة التي تطرح أو حتى الوثائق التي قدمت للاطلاع عليها كاختبار أن الذين حرروها مغاربة، بناء على التواريخ المسجلة بالعربية في بعضها وتسمية الشهور باللهجة المغربية مثل: نونبر، يوليوز، شبتنبر... الخ.
3 - الاستفادة من العملاء السابقين ورجال المخابرات المتقاعدين ومحاولة استدراجهم من أجل الإقامة أو اللجوء في المغرب:
من بين الأمور التي تأخذها المخابرات المغربية كوسيلة استراتيجية في حربها على الجزائر هو السعي للوصول إلى عملاء سابقين في المخابرات الجزائرية مهما كان مستوى مسؤولياتهم أو درجة عملهم، ويقصد بالعملاء هم المدنيون الذين يعملون لحساب الجهاز في قطاعات مختلفة، وحسب ما علمته أن هؤلاء العملاء يراد الاستفادة من المعلومات التي بحوزتهم والتي تمكنوا من تمريرها للجهاز الجزائري، ويزداد سعي المخابرات المغربية الوصول إلى عملاء سابقين كانوا ينشطون خلال العشرية الدموية ممن لعبوا أدوارا مهمة، أو عملاء لا يزالون في الخدمة خاصة على التراب المغربي أو الأوروبي، حتى يتم تجنيدهم للعمل المزدوج والذي من خلالهم يصلون إلى دائرة سرية من دوائر المخابرات الجزائرية، كما يعملون على التضليل من خلال تسريب المعلومات التي يراد لها أن تصل للجزائر.
من جهة أخرى تسهر المخابرات المغربية من أجل الوصول لضباط مخابرات جزائريين سابقين، سواء كانوا متقاعدين أو ممن استغني عن خدماتهم لأسباب مختلفة، ويعمل الجانب المغربي من أجل استدراج هؤلاء خاصة ممن ارتكبوا أخطاء مهنية أدت إلى فصلهم، ويزداد الأمر أهمية لو كان ذلك الخطأ يتعلق بملفات أمنية أو تحقيقات فساد في أعلى دوائر السلطة. وحسب المعلومات التي بحوزتي أن هذا الأمر أخفق فيه الجهاز المغربي، لأنه لم يصل للصورة التي يريدها، وإن سجل تجنيد أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة وهم: أحدهم عميل سابق يعيش في بريطانيا، وعسكريين سابقين هما الآن يتواجدان على التراب المغربي، بينهما واحد يقدم نفسه على أنه كان صف ضابط في المخابرات الجزائرية.
تشير معلوماتي إلى أن رجال المخابرات المغربية يتسللون كثيرا عبر الحدود بين الجزائر والمغرب ومن طرق تستعمل لتهريب المخدرات والسلع، وأحيانا يتوغلون في التراب الجزائري بهويات جزائرية مزورة.
وبالرغم من كل ذلك فإن المخابرات المغربية ظلت تخشى الجانب الجزائري، وتحترس كثيرا من أن يكون طعما قدم لهم من نظيرتهم الجزائرية. ولهذا سارعوا إلى توريط أحد من تم تجنيدهم في قصص وخيالات رسمت في دوائر المنصوري وقام بتنفيذها جزائريون يدعون المعارضة.
4 - البحث المضني عن شبكات في الداخل الجزائري:
وإن أشرنا من قبل إلى أن المخابرات المغربية تعمل ما في وسعها على اختراق الجانب الجزائري بشبكات تكون متواجدة على ترابها، وإن كان من الصعب الوصول إلى قلب الجهاز إلا أنه توجد لهم شبكة تتكون من مغاربة يقيمون بطريقة شرعية ولا تلاحقهم أي شبهات، وتشير معلوماتي إلى أن رجال المخابرات المغربية يتسللون كثيرا عبر الحدود بين الجزائر والمغرب ومن طرق تستعمل لتهريب المخدرات والسلع، وأحيانا يتوغلون في التراب الجزائري بهويات جزائرية مزورة.
ونذكر في سياق التسلل عبر الحدود من أجل التجسس وإنجاز مهمات أمنية واستخبارتية، أن محكمة جنايات بشار في أواخر أكتوبر 2008 قضت بإدانة المدعو "س. عزيز" بـ 12 عاما بتهمة التجسس وجمع معلومات خاصة بالدفاع الوطني لصالح دولة أجنبية والهجرة غير الشرعية. ووقائع قضية الشاب البالغ من العمر 22 عاما تعود إلى شهر ماي 2008 عندما ألقى الجيش الوطني الشعبي القبض عليه ليلا وهو على متن دراجة نارية في المنطقة المسماة حاسي المالح بدائرة ام العسل التابعة لولاية تندوف.
وقد اعترف أنه أرسل من المدعو محمد الغدري المنتمي للدرك الملكي بعدما منحه مبلغ 200 درهم من أجل جمع معلومات عن الجيش الجزائري ومواقع البوليزاريو، وتعتبر القضية ذات وزن ثقيل تكتمت عليها السلطات حينها إلى أن جرت محاكمته. والغريب أن المتهم هو من قال أن اسمه عزيز ولم يتم ضبط أي وثيقة هوية معه، ولا السلطات المغربية سعت لمعرفة وضعية رعيتها، المدعو رضا طوجني الذي سيأتي الحديث عنه في أمور أخرى، قد أشار لي في هذا السياق أن الشخص المحكوم عليه كان مجردّ طعم من أجل التغطية على اختراق آخر جرى في جهة بعيدة عن مكان توقيف المدعو عزيز، وحاولت أن أعرف منه الأكثر إلا أنه تهرب من ذلك متحججا بأسباب عديدة ومختلفة.
الحلقة الرابعة بقلم: أنور مالك
نواصل في هذه الحلقة تناول محاور عديدة نكشف في إطارها الكثير من الخفايا التي لم يسبق تناولها أو إثارتها للعلن، وهذا من أجل التأكيد على أن ما يجري في الخفاء هو خطير للغاية ويختلف كليّة عما نسمعه في الشعارات الحكومية والبرقيات الملكية والأفكار المتناثرة هنا وهناك.
راودتني الشكوك في فخّ قد تنصبه لي المخابرات المغربية، وصراحة شككت في اختطافي أو اغتيالي من أجل توريط جهات جزائرية في الأمر، وخاصة أنه جرى ترويج إعلامي من بعض المنابر الإعلامية، من أن حياتي صارت في خطر وهو الذي سنتحدث عنه لاحقا، وزادت شكوكي أكثر عندما أخبرني أنه لما انزل في مطار لشبونة سأجد سائق سيارة تابعة للسفارة في انتظاري، وهو يعرف الفيلا التي سيأخذني إليها والتي سنقضي فيها 5 أيام على الأقل.
فكرت في المغامرة، ولكن بعد تفكير عميق قررت أن لا أفعل ذلك، وخاصة أنني سأكون لوحدي، فقلت سألح على أن يرافقني قريبي ما دام الأمر بهذا الحجم، إلا أن مكّاوي ظل يعيد على مسمعي من أن المنصوري موافق على أسرتي فقط. فنقلت لمكاوي قراري برفض اللقاء مبررا ذلك بأسباب أمنية، بل أعلمته أنني صرت أسمع أصواتا غريبة في هاتفي، وأيضا تواجد سيارة مشبوهة بالقرب من بيتي، وكلما أغادر أحس بأشخاص يقتفون أثري، فاقتنع بدوره من أن المخابرات الفرنسية أو الجزائرية قد اكتشفت الأمر وهو ما سيكون له الأثر السيئ والوخيم على إقامتي ووجودي وحتى على حياتي. فقررنا بالاتفاق أن يؤجل اللقاء إلى وقت آخر مستقبلا حتى تحين ظروف أفضل، وتنسى الأجهزة التي تتابعني هذه القصة من أساسها.
وأذكر في هذا السياق أن مكاوي حاول أن يثنيني عن التبرّؤ من موقع »الجزائر تايمز«، بل قدم نفسه كوسيط بيني وبين الكونغرس المغربي في أمريكا من أجل خلق تعاون بيننا وهو الذي رفضته جملة وتفصيلا.
1 - ثغرات الغرب وحصون المخيمات في تندوف:
تعمل المخابرات المغربية كل ما في وسعها من أجل اختراق الصحراويين سواء في الغرب أو في مخيمات تندوف، أما في الداخل حيث المأساة الإنسانية التي يرتكبها المخزن في وضح النهار، فهم شعب تطالهم أجندة استخباراتية رهيبة، لم أر مثلها في حياتي إلا لما وقفت على كواليس منطقة الداخلة.
المعلومات التي توفرت لدي من خلال تجربتي أن المخابرات المغربية تعمل على ثلاث جبهات فيما يخص التسلل واختراق مخيمات تندوف، أولا تريد الوصول لتجنيد لاجئين صحراويين وخاصة من المسؤولين البارزين، من أجل تنفيذ عمليات فرار جماعية، التي من خلالها يمرر المخزن رسائله المختلفة عن واقع المخيمات والبيعة للعرش... الخ. أو يدفعونهم نحو القيام بعصيان مدني مناهض لقيادة البوليزاريو يكون مسوغا لأجل تأليب الرأي العام الدولي والحقوقي على ما يحدث في هذه المخيمات التي ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية، وقد كنت قبلها من دعاة حلّها وترحيلهم إلى الداخل بناء على أنه لا توجد حرب، ولكن لما زرت المنطقة وصلت لقناعة تامّة، أن بقاءهم في المخيمات أفضل من أن يرحّلوا إلى مخالب لا ترحم.
وثانيا أن هذا الجهاز يعمل على الرغبة الملحة للوصول إلى درجة تجنيد عسكريين أو موظفين في الجيش أو الأمن بتندوف، من أجل توفير معلومات عن تحركات قادة الجبهة وجيش البوليزاريو ورجال أمنها، وحتى حول ما يعتقدون أنه يتعلق بتهريب المخدرات والسلاح، وتذكر لي مصادر مطلعة أن المخابرات المغربية تسعى للوصول لكل الملفات المطروحة على الأمن الجزائري في تندوف وغيرها، سواء تتعلق بالإرهاب أو الجريمة المنظمة أو اللصوصية أو الفساد من أجل توظيفها في أطر تخدم مصالحها. أما الجبهة الثالثة وتتعلق بالجماعات الإرهابية التي تنشط في الساحل والصحراء، والتي لديها تواجد على الحدود مع موريتانيا، وهذا من أجل محاولة توريط صحراويين في جرائم الاختطاف والفدية وتهريب المتفجرات والألغام والسلاح.
كما تعمل كل ما في وسعها على مسعى إغراء الصحراويين من أجل الفرار من المخيمات نحو المغرب مباشرة أو عن طريق موريتانيا، وهذا من أجل توظيفهم في إطار حملة الحكم الذاتي الذي يحاول المخزن إبراز مدى التفاف الصحراويين حولها، وفي أرض الواقع قد كشف زيف ما يروجون له إعلاميا، ولكن تبقى قضية ما تسمى بالعائدين هي الدليل القوي والبرهان المادي الذي يسوقه المغرب لأجل تحقيق غايتين أساسيتين:
- أن اللاجئين في تندوف والذين يتبجح المغرب على أنهم محتجزون، لديهم إيمان بالحكم الذاتي ويناهضون أطروحات جبهة البوليزاريو.
- الحديث عن واقع المخيمات والمأساة الإنسانية التي تقع فيه، ومحاولة التسويق للانتهاكات الحقوقية التي يراد المغرب أن يمتطيها لتبرير مواقفه وتعنّته.
وطبعا تحقيق ذلك يأتي بالترويج لشهادات هؤلاء الفارين الذين بلا شك سيقولون أنهم مع الحكم الذاتي وأن المخيمات هي مقبرة حقوق الإنسان. وأذكر في هذا السياق أنه جرى التحدث معي حول هذا الأمر مع بعض بيادق المخابرات المغربية ممن انكشف أمرهم لاحقا، والذين سيأتي الحديث عنهم.
أمر آخر أن المخابرات المغربية تعمل على إثارة فتن قبلية وأخرى سياسية في المخيمات والمناطق المحررة التي تخضع لسلطة البوليزاريو، وذلك بدس عملاء يقومون بأدوار استفزازية لأجل إشعال فتيل المواجهات الدموية.
أمر آخر أن المخابرات المغربية تعمل على إثارة فتن قبلية وأخرى سياسية في المخيمات والمناطق المحررة التي تخضع لسلطة البوليزاريو، وذلك بدس عملاء يقومون بأدوار استفزازية لأجل إشعال فتيل المواجهات الدموية، وكل ذلك من أجل تبرير الاختراق والتوجيه والانتقامات المضادة وحتى خلق شبكات للمعارضة تحت غطاء حرية التعبير والديمقراطية والتعددية السياسية، وهي بلا شك ستكون ذريعة واضحة لضرب الاستقرار ومصداقية قادة الجبهة محليا ودوليا.
ونذكر في هذا السياق تسلل عناصر مخابرات في زيّ صحراوي وأحيانا على متن سيارات تبين لاحقا أنها تابعة للدولة المغربية، إلى بعض المناطق المدروسة بعناية فائقة، أو حتى الرباط على تخوم الجدار العنصري العازل، ويقومون بالتحرشات التي تستهدف السكان بغية إثارة النقمة بين صفوفهم حتى يغادروا بيوتهم نحو المناطق التي يحتلّها الجيش المغربي، ومن ثمة يقدمونهم على أنهم فارين مما يوصف بجحيم تندوف.
وأشارت لي بعض المصادر المهمة، أن الجهاز المخزني يعمل ليل نهار من أجل إشعال ما يسميها "حرب أهلية" أو "قبلية" بين الصحراويين خاصة بمخيمات تندوف، وهذا لأجل تصدير المواجهة إلى الطرف الآخر، وإشغاله بفتن داخلية ستطيل عمر الأزمة التي يراهن المخزن أن تبقى على حالها، لأن في حال إجباره على الرضوخ للمفاوضات وحل القضية تحت رعاية الأمم المتحدة، والتي ستصل حتما لتنفيذ مطلب الاستفتاء، سيفقد المغرب بلا شك حصونه ويخفق إخفاقا ذريعا في تحقيق أهدافه في الاستيلاء على ثروات الصحراء الغربية المسيلة للعاب.
2 - جمع المعلومات واحتكارها واستغلالها بطرق مشبوهة للغاية وتسريبها لأطراف معادية:
مما هو متعارف عليه أن أي جهاز مخابرات في العالم يعمل كل ما في وسعه ووفق الأساليب المختلفة من أجل الحصول على المعلومات، التي يمكن استعمالها في حينها وأخرى يقوم بتكديسها وحفظها للحاجة في المستقبل.
والأمر هذا تحرص عليه المخابرات المغربية كثيرا من خلال التحرّي والبحث وحتى من خلال العملاء العاديين، الذين يعملون بدورهم عبر شبكات علاقاتهم من أجل الظفر بأي شيء مهما كانت بساطته. ومن خلال تجربتي وتواصلي مع مغاربة كنت متيقنا من عملهم لجهاز المخابرات ولو على سبيل التطفل في أقل التقادير، أنهم كانوا يسعون من أجل كشف الخبايا التي أعرفها، وأهمها المعلومات العسكرية التي تتعلق بالجيش والتسليح ومواقع الثكنات وبطاريات الصواريخ والرادارات، وأسماء الضباط الفاعلين والذين يمكن أن يكون لهم حضور مستقبلا في المشهد القيادي، وأيضا العسكريون الذين أحوالهم الاجتماعية سيئة أو لديهم ظروف استثنائية أو طوارئ عائلية كمرض الوالدين أو أحد من أفراد الأسرة أو ديون متراكمة لدى البنوك.
من خلال تجربتي وتواصلي مع مغاربة كنت متيقنا من عملهم لجهاز المخابرات، أنهم كانوا يسعون من أجل كشف الخبايا التي أعرفها، وأهمها المعلومات العسكرية التي تتعلق بالجيش والتسليح ومواقع الثكنات وبطاريات الصواريخ والرادارات.
وقد أيقنت حينها أن المعلومات ستقدم لجهازهم وربما سيعملون من أجل الوصول لمن سأذكرهم، ولكن حرصا مني على أسرار المؤسسة التي تشرّفت يوما بالانتماء إليها، كنت أؤكد لهم أنني لا أعلم شيئا من ذلك، ولو تصلني أمور تكون مهددة لأمن المنطقة المغاربية لن أتأخر لحظة في كشفها إعلاميا، سواء كان المتورط من الجزائر أو المغرب أو بلد آخر.
أهم ما كان يحرص عليه جهاز المخابرات المغربي بعد اللاجئين الصحراويين الذين هم في رأس الاهتمام، نجد كل ما يتعلق بفترة التسعينيات وحرب الجيش على الإرهاب، وخاصة الكمائن والتمشيطات ومواقع الكتائب أثناء وقوع المجازر وعلى رأسها بن طلحة والرايس وبني مسوس والرمكة... الخ. وتفيد معلومات تحصلت عليها في فرنسا أن المغرب لعب دورا خفيّا في أطروحة من يقتل من؟ من خلال المعلومات الذي ظل يسربها للمخابرات الفرنسية وبعض الدوائر التابعة للأممية الاشتراكية، التي لعبت دورا محوريا في تلك التهم التي طالت المؤسسة العسكرية، وبنفسي وأثناء التحقيقات التي أجرتها معها دائرة اللجوء اكتشفت من خلال الأسئلة التي تطرح أو حتى الوثائق التي قدمت للاطلاع عليها كاختبار أن الذين حرروها مغاربة، بناء على التواريخ المسجلة بالعربية في بعضها وتسمية الشهور باللهجة المغربية مثل: نونبر، يوليوز، شبتنبر... الخ.
3 - الاستفادة من العملاء السابقين ورجال المخابرات المتقاعدين ومحاولة استدراجهم من أجل الإقامة أو اللجوء في المغرب:
من بين الأمور التي تأخذها المخابرات المغربية كوسيلة استراتيجية في حربها على الجزائر هو السعي للوصول إلى عملاء سابقين في المخابرات الجزائرية مهما كان مستوى مسؤولياتهم أو درجة عملهم، ويقصد بالعملاء هم المدنيون الذين يعملون لحساب الجهاز في قطاعات مختلفة، وحسب ما علمته أن هؤلاء العملاء يراد الاستفادة من المعلومات التي بحوزتهم والتي تمكنوا من تمريرها للجهاز الجزائري، ويزداد سعي المخابرات المغربية الوصول إلى عملاء سابقين كانوا ينشطون خلال العشرية الدموية ممن لعبوا أدوارا مهمة، أو عملاء لا يزالون في الخدمة خاصة على التراب المغربي أو الأوروبي، حتى يتم تجنيدهم للعمل المزدوج والذي من خلالهم يصلون إلى دائرة سرية من دوائر المخابرات الجزائرية، كما يعملون على التضليل من خلال تسريب المعلومات التي يراد لها أن تصل للجزائر.
من جهة أخرى تسهر المخابرات المغربية من أجل الوصول لضباط مخابرات جزائريين سابقين، سواء كانوا متقاعدين أو ممن استغني عن خدماتهم لأسباب مختلفة، ويعمل الجانب المغربي من أجل استدراج هؤلاء خاصة ممن ارتكبوا أخطاء مهنية أدت إلى فصلهم، ويزداد الأمر أهمية لو كان ذلك الخطأ يتعلق بملفات أمنية أو تحقيقات فساد في أعلى دوائر السلطة. وحسب المعلومات التي بحوزتي أن هذا الأمر أخفق فيه الجهاز المغربي، لأنه لم يصل للصورة التي يريدها، وإن سجل تجنيد أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة وهم: أحدهم عميل سابق يعيش في بريطانيا، وعسكريين سابقين هما الآن يتواجدان على التراب المغربي، بينهما واحد يقدم نفسه على أنه كان صف ضابط في المخابرات الجزائرية.
تشير معلوماتي إلى أن رجال المخابرات المغربية يتسللون كثيرا عبر الحدود بين الجزائر والمغرب ومن طرق تستعمل لتهريب المخدرات والسلع، وأحيانا يتوغلون في التراب الجزائري بهويات جزائرية مزورة.
وبالرغم من كل ذلك فإن المخابرات المغربية ظلت تخشى الجانب الجزائري، وتحترس كثيرا من أن يكون طعما قدم لهم من نظيرتهم الجزائرية. ولهذا سارعوا إلى توريط أحد من تم تجنيدهم في قصص وخيالات رسمت في دوائر المنصوري وقام بتنفيذها جزائريون يدعون المعارضة.
4 - البحث المضني عن شبكات في الداخل الجزائري:
وإن أشرنا من قبل إلى أن المخابرات المغربية تعمل ما في وسعها على اختراق الجانب الجزائري بشبكات تكون متواجدة على ترابها، وإن كان من الصعب الوصول إلى قلب الجهاز إلا أنه توجد لهم شبكة تتكون من مغاربة يقيمون بطريقة شرعية ولا تلاحقهم أي شبهات، وتشير معلوماتي إلى أن رجال المخابرات المغربية يتسللون كثيرا عبر الحدود بين الجزائر والمغرب ومن طرق تستعمل لتهريب المخدرات والسلع، وأحيانا يتوغلون في التراب الجزائري بهويات جزائرية مزورة.
ونذكر في سياق التسلل عبر الحدود من أجل التجسس وإنجاز مهمات أمنية واستخبارتية، أن محكمة جنايات بشار في أواخر أكتوبر 2008 قضت بإدانة المدعو "س. عزيز" بـ 12 عاما بتهمة التجسس وجمع معلومات خاصة بالدفاع الوطني لصالح دولة أجنبية والهجرة غير الشرعية. ووقائع قضية الشاب البالغ من العمر 22 عاما تعود إلى شهر ماي 2008 عندما ألقى الجيش الوطني الشعبي القبض عليه ليلا وهو على متن دراجة نارية في المنطقة المسماة حاسي المالح بدائرة ام العسل التابعة لولاية تندوف.
وقد اعترف أنه أرسل من المدعو محمد الغدري المنتمي للدرك الملكي بعدما منحه مبلغ 200 درهم من أجل جمع معلومات عن الجيش الجزائري ومواقع البوليزاريو، وتعتبر القضية ذات وزن ثقيل تكتمت عليها السلطات حينها إلى أن جرت محاكمته. والغريب أن المتهم هو من قال أن اسمه عزيز ولم يتم ضبط أي وثيقة هوية معه، ولا السلطات المغربية سعت لمعرفة وضعية رعيتها، المدعو رضا طوجني الذي سيأتي الحديث عنه في أمور أخرى، قد أشار لي في هذا السياق أن الشخص المحكوم عليه كان مجردّ طعم من أجل التغطية على اختراق آخر جرى في جهة بعيدة عن مكان توقيف المدعو عزيز، وحاولت أن أعرف منه الأكثر إلا أنه تهرب من ذلك متحججا بأسباب عديدة ومختلفة.