العيد (قصة قصيرة) بقلم همام بيري "السمارة المحتلة"
اليوم عيد.إستيقظ كالجميع باكرا، لكنه لم يكن متحمسا له كثيرا، بقدر ما تحمس لما خطط للعمل فيه. دخل الغرفة التي تجمع فيها الأهل، عايد الأب والأم، جلس لتناول الإفطار، شرد ذهنه، بدأ يعد الأهل الذين سيذهب لزيارتهم وكأنها أول مرة "خمسة فقط، خمسة منازل...؟ وكلها لأخوالي، لو ما كان هذا الإحتلال، لعانقت جدتي لسبعة وعشرين سنة. أنا حتى لم أراها قط" قال هذا بينه وبين نفسه.
ينهض وقد فقد مع سرحان خياله كل إحساس بأن اليوم عيد، يصعد إلى سطح منـزلهم، يحمل منه حقيبة يضعها على ظهره، يمتطي دراجته الهوائية وينطلق، يمر بجانب دورية الحراسة الأولى التي تطوق الحي من الداخل، ينظر نحوهم، إشعاعات عينيه كره، يبتسم باستهزاء يعلوه حزن وغضب:
"و كأن اليوم يوما عاديا، مالهم لا يعتقونا حتى من الرقابة في الأعياد".
يهمس لنفسه وكأنه نسى أنه هو وأمثاله من حرمهم نعمة العيد مع أهاليهم، يتخطى حراسة الحي الثانية، يرى كلابها تستند على سيارتهم، عاد ليصب العلقم عليهم وهو يقول لنفسه مرة أخرى "وكأنهم يظنون أننا سننسى أنهم محتلين، لذا وضعوا حراسة في كل زقاق كي تذكرنا، سنرى ما نفع كلابهم هته ".
يضحك ساخرا مرة أخرى، يقطع الأزقة و الدروب، ينظر إلى هدوء المدينة في صباح العيد، هدوء يسبق العاصفة، يصل حي "العمارات" بقي على الميعاد عشر دقائق، يذهب لتفقد المكان، خلو المكان ووحشته تشعره بالدفء.
"لا عيد، إلا عيد إستقلالك، لا فرح ما دامت إبتسامتك غائبة، لا سلام ولا سكون قبل أن ننغص عليهم أفراحهم"، يتمتم في غضب وهو ذاهب ليجمع رفاقه في أحد الأزقة المتوارية عن الأنظار يركن دراجته وينزل حقيبته من على ظهره، يوزع ما بها من أدوات للعمل على المتواجدين، ويبدأ بإعطاء التعليمات:
"سنضرب حلمهم الطامح لبعض سلام بقوة سلام عملنا، سنمسح عن وطننا بعض من أحزانه، وسنـزيح بعض الهموم عن نفوس عانت سنين ".
ينهي كلماته وقد أخذ الكل مكانه ودوره، يخرجون إلى المكان المحدد للإنتفاض، تعلو الأصوات، تردد الشعارات، وتسمع الزغاريد، تهدأ نفسه المضطربة، يشرد ذهنه مرة أخرى، يتذكر صديقه المعتقل:
"لو لم يكن معتقلا لكان اليوم معنا، يصيح هو الآخر و يلعن الحظ العاثر"، يحزن لحاله فهو في حالة إضراب عن الطعام، يحس بيد تجره وتدخله أحد المنازل.
بعد أن تفرق الجمع تحضر دوريات الكلاب المسعورة بمختلف تشكيلاتها، تملأ الدنيا ضجيجا وسبا ونباحا. يعانق من دخل معه من الرفاق وأهل المنـزل الذي دخلوا إليه، يهنئهم بالعيد، يدعوا الله أن يقرب يوم الفرج، ويقول وهو يودعهم:
"الآن يمكن أن نحتفل بالعيد ولو جزئيا، وقد خرجت كل الكلاب في مدرعاتها، كي تمنع صوت الحق من البزوغ، سأذهب الآن وأنا مرتاح البال، فلن يستريحوا اليوم ولو للشرب".