الترجمة عوائق ومحاولات للحلول - عفاف عبد المعطى
الترجمة فى معناها البسيط تفاعل متصل نشط بين مجتمعات وحضارات مختلفة ، وهى بذلك تمثل صلة مباشرة بين الحضارات لجميع مجالات المعرفة فى العلوم الإنسانية ، و أداة تعبير عن قوة المجتمع فى استيعاب أكبر قدر يعنيه باختياره وإرادته من حصاد المعارف الإنسانية التى هى سلاح الإنسان للتقدم ، وبذلك تغدو الترجمة أداة لتفاعل المجتمع مع جديد العلوم الإنسانية والفنون ، وهى تمثل عامل ضمن مجموعة عوامل متكاملة للتقدم الحضارى ، وقد باتت الترجمة اليوم ضرورة قياسا إلى التقدم العلمى المذهل الذى تنعم به البشرية ، خاصة مع وجود وسائل اتصال قوية فورية سهلت تقارب الشعوب وتواصلها .
والمترجم هو الذى يصوغ الأفكار المترجمة فى كلمات موجهة موصلة هذه الأفكار إلى القارئ ، والفارق بينه وبين كاتب النص هو أن الأفكار التى يسعى لصوغها ليست أفكاره ، بل أفكار سواه عليه أن يُلبسها حلة مجتمعه وبيئته . والترجمة الجيدة لا يشترط فيها إجادة اللغة المنقول عنها واللغة المنقول إليها فحسب ، بل ينبغي أن يتمتع المترجم بحس لغوى لكلٍ من اللغتين المنقول عنها والمنقول إليها .ذلك لأن الترجمة تمثل القناطر التى تربط الثقافة المحلية بتيارات الثقافة العالمية ، وغنى عن التعريف القول بأن الترجمات قد لعبت دورا مهما فى فترات نهوض المجتمعات على مر الحقب التاريخية المختلفة . فالترجمة حركة أخذ وعطاء وحركة تبادل فى جميع المجالات تتيح اللقاء بين الثقافات والتفاعل بينها وينتج عنها - رغم قصورها - أن يشارك بعضنا البعض الاكتشافات العلمية والتكنولوجية والتراث الثقافي الإنساني .
وتشغل الترجمات الأدبية مكانة مهمة بين نوعيات الترجمة المختلفة ، وقد بلغت الترجمات الأدبية مكانة مرموقة فى الوقت الحاضر ، حيث يمكن الجزم بصعوبة تقييم التيارات الأدبية القومية دون الأخذ فى الاعتبار لتيارات الأدب المترجم الوافدة ، خاصة وهى التى تصنع المنهجية العلمية التى تسير عليها التيارات الأدبية القومية ، فالترجمات هى الوسيط الفنى الذى تمت من خلاله عمليات التأثير والتأثر بين الآداب والتى كان لها فضل كبير فى إثراء الآداب بالأفكار الجديدة والأشكال الفنية المتعددة ، فحين نقرا رواية مثلا نقول بها نزعة كافكاوية (نسبة إلى كافكا) فمن أين جاء الكاتب بهذه النزعة سوى بتأثره عبر ترجمات كافكا . أو أن يقال إن شخصيات هذا الكاتب مثل شخصيات شيكوف مثلا ، فكيف رسم الكاتب العربي شخصية مثل شخصيات شيكوف إلا بالاطلاع عليها والتأثر بها .
فمن خلال الترجمة يتعرف الـ " انا " على الـ " آخر " كما يكشف له أيضا عن ثقافته الخاصة.
ونظرة سريعة إلى أشكال الترجمات العربية الأدبية تضعنا أمام ثلاث نوعيات متباينة من هذه الترجمات ، يتصف بعضها بالأمانة والدقة و السعي نحو المحافظة على الخصائص اللغوية والأدبية للنص المترجم ومثال على ذلك ترجمات ثائر ديب النقدية لتيرى اجلتون ورواية " انجيل الابن " لنورمان ميلر ، وترجمات محمد عنانى لشكسبير وإبراهيم فتحى لبيير بورديو ومجاهد عبد المنعم مجاهد لمشروع رينيه ويلك النقدى واختيارات طلعت الشايب المهمة خاصة كتاب الحرب الباردة الثقافية ، واحمد محمود خاصة ترجمته لكتاب " التحالف الاسود " .
وإصدارات المجلس الوطنى بالكويت خاصة سلسلة إبداعات عالمية. والبعض الآخر يندرج فى إطار الترجمات الحرة التى تعنى بالمحافظة على المضمون فى النص الأدبي دون التقيد بالصياغة اللغوية للأصل ، وخير مثال على ذلك بعض ما يصدر عن سلسلة الألف كتاب بالهيئة العامة للكتاب مثل كتاب " نظرات فى الأدب الأمريكى "، وهناك النوع الأخير من الترجمات وهو ما يعرف بالترجمات الملخصة أو المقتضبة، وهذا النوع من الترجمات تتسم بالحرفية التى تضر بروح النص وخصائصه الأدبية من ذلك ما حدث بشأن كتاب ادوارد سعيد المهم " العالم والنص والناقد " وقد صدرت ترجمته غير الدقيقة عن منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دون معرفة ادوار سعيد بذلك حسب ما تناهى إلى علمى .
ويجب فى هذا المجال النظر بعين الاعتبار إلى إصدارات المشروع القومى للترجمة بمصر ، فإلى جانب السعى الدءوب إلى الترجمة عبر لغات العالم المختلفة ، خاصة الآداب الشرقية ، فإن تنوع الإصدارات فى مجالات السياسة والفن والأدب والاجتماع ، قد أتاحت لهذا المشروع الغنى أن يمثل مكتبة فى حد ذاتها ، لكن ينبغى ذكر عقبة واحدة فى هذا المشروع تتمثل فى التوزيع ، فمعظم إصدارات المشروع غير موجودة سوى فى مكتبة البيع بالمجلس نفسه ، وبالمصادفة تواجدها عبر معرض من المعارض . أما خروج كتاب المشروع القومى للترجمة إلى النطاق العربى فغير واضح ، فإذا كان القائمون على هذا المشروع المهم يخشون تكاليف شحن الكتاب وما إلى ذلك فلماذا لا تتم اتفاقية بينهم وبين مؤسسات قومية عربية بحيث تطبع هذه المؤسسات عدد من نسخ الكتاب فى بلدها عبر تبادل الـ " سى دى روم " مثل الطبعة العربية لبعض الجرائد . وهكذا يكون الكتب فى متناول كل قارئ عربى .
على النطاق الشخصى ، فإن الترجمة تمثل لى جسرا مهما فى دراستى فى الأدب المقارن ، وبحكم هذه الدراسة فإنني مهتمة بقدر كبير بالأدب الأمريكى المعاصر ، وقد ترجمت فيه عدد قليل من النصوص منها رواية " منتهى الحظ السعيد " للكاتب الأمريكي المعروف ريتشارد فورد وكذلك رواية " السيد فيرتيجو " للكاتب الأمريكي بول أوستر صاحب ثلاثية نيويورك ، ونشر منهما أجزاء متفرقة . فضلا عن ترجمتى لرواية الكاتب اليابانى المعروف كازو ايشيجورو " فنان فى عالم عائم " والتى سوف تصدر قريبا عن المشروع القومى للترجمة
الترجمة فى معناها البسيط تفاعل متصل نشط بين مجتمعات وحضارات مختلفة ، وهى بذلك تمثل صلة مباشرة بين الحضارات لجميع مجالات المعرفة فى العلوم الإنسانية ، و أداة تعبير عن قوة المجتمع فى استيعاب أكبر قدر يعنيه باختياره وإرادته من حصاد المعارف الإنسانية التى هى سلاح الإنسان للتقدم ، وبذلك تغدو الترجمة أداة لتفاعل المجتمع مع جديد العلوم الإنسانية والفنون ، وهى تمثل عامل ضمن مجموعة عوامل متكاملة للتقدم الحضارى ، وقد باتت الترجمة اليوم ضرورة قياسا إلى التقدم العلمى المذهل الذى تنعم به البشرية ، خاصة مع وجود وسائل اتصال قوية فورية سهلت تقارب الشعوب وتواصلها .
والمترجم هو الذى يصوغ الأفكار المترجمة فى كلمات موجهة موصلة هذه الأفكار إلى القارئ ، والفارق بينه وبين كاتب النص هو أن الأفكار التى يسعى لصوغها ليست أفكاره ، بل أفكار سواه عليه أن يُلبسها حلة مجتمعه وبيئته . والترجمة الجيدة لا يشترط فيها إجادة اللغة المنقول عنها واللغة المنقول إليها فحسب ، بل ينبغي أن يتمتع المترجم بحس لغوى لكلٍ من اللغتين المنقول عنها والمنقول إليها .ذلك لأن الترجمة تمثل القناطر التى تربط الثقافة المحلية بتيارات الثقافة العالمية ، وغنى عن التعريف القول بأن الترجمات قد لعبت دورا مهما فى فترات نهوض المجتمعات على مر الحقب التاريخية المختلفة . فالترجمة حركة أخذ وعطاء وحركة تبادل فى جميع المجالات تتيح اللقاء بين الثقافات والتفاعل بينها وينتج عنها - رغم قصورها - أن يشارك بعضنا البعض الاكتشافات العلمية والتكنولوجية والتراث الثقافي الإنساني .
وتشغل الترجمات الأدبية مكانة مهمة بين نوعيات الترجمة المختلفة ، وقد بلغت الترجمات الأدبية مكانة مرموقة فى الوقت الحاضر ، حيث يمكن الجزم بصعوبة تقييم التيارات الأدبية القومية دون الأخذ فى الاعتبار لتيارات الأدب المترجم الوافدة ، خاصة وهى التى تصنع المنهجية العلمية التى تسير عليها التيارات الأدبية القومية ، فالترجمات هى الوسيط الفنى الذى تمت من خلاله عمليات التأثير والتأثر بين الآداب والتى كان لها فضل كبير فى إثراء الآداب بالأفكار الجديدة والأشكال الفنية المتعددة ، فحين نقرا رواية مثلا نقول بها نزعة كافكاوية (نسبة إلى كافكا) فمن أين جاء الكاتب بهذه النزعة سوى بتأثره عبر ترجمات كافكا . أو أن يقال إن شخصيات هذا الكاتب مثل شخصيات شيكوف مثلا ، فكيف رسم الكاتب العربي شخصية مثل شخصيات شيكوف إلا بالاطلاع عليها والتأثر بها .
فمن خلال الترجمة يتعرف الـ " انا " على الـ " آخر " كما يكشف له أيضا عن ثقافته الخاصة.
ونظرة سريعة إلى أشكال الترجمات العربية الأدبية تضعنا أمام ثلاث نوعيات متباينة من هذه الترجمات ، يتصف بعضها بالأمانة والدقة و السعي نحو المحافظة على الخصائص اللغوية والأدبية للنص المترجم ومثال على ذلك ترجمات ثائر ديب النقدية لتيرى اجلتون ورواية " انجيل الابن " لنورمان ميلر ، وترجمات محمد عنانى لشكسبير وإبراهيم فتحى لبيير بورديو ومجاهد عبد المنعم مجاهد لمشروع رينيه ويلك النقدى واختيارات طلعت الشايب المهمة خاصة كتاب الحرب الباردة الثقافية ، واحمد محمود خاصة ترجمته لكتاب " التحالف الاسود " .
وإصدارات المجلس الوطنى بالكويت خاصة سلسلة إبداعات عالمية. والبعض الآخر يندرج فى إطار الترجمات الحرة التى تعنى بالمحافظة على المضمون فى النص الأدبي دون التقيد بالصياغة اللغوية للأصل ، وخير مثال على ذلك بعض ما يصدر عن سلسلة الألف كتاب بالهيئة العامة للكتاب مثل كتاب " نظرات فى الأدب الأمريكى "، وهناك النوع الأخير من الترجمات وهو ما يعرف بالترجمات الملخصة أو المقتضبة، وهذا النوع من الترجمات تتسم بالحرفية التى تضر بروح النص وخصائصه الأدبية من ذلك ما حدث بشأن كتاب ادوارد سعيد المهم " العالم والنص والناقد " وقد صدرت ترجمته غير الدقيقة عن منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دون معرفة ادوار سعيد بذلك حسب ما تناهى إلى علمى .
ويجب فى هذا المجال النظر بعين الاعتبار إلى إصدارات المشروع القومى للترجمة بمصر ، فإلى جانب السعى الدءوب إلى الترجمة عبر لغات العالم المختلفة ، خاصة الآداب الشرقية ، فإن تنوع الإصدارات فى مجالات السياسة والفن والأدب والاجتماع ، قد أتاحت لهذا المشروع الغنى أن يمثل مكتبة فى حد ذاتها ، لكن ينبغى ذكر عقبة واحدة فى هذا المشروع تتمثل فى التوزيع ، فمعظم إصدارات المشروع غير موجودة سوى فى مكتبة البيع بالمجلس نفسه ، وبالمصادفة تواجدها عبر معرض من المعارض . أما خروج كتاب المشروع القومى للترجمة إلى النطاق العربى فغير واضح ، فإذا كان القائمون على هذا المشروع المهم يخشون تكاليف شحن الكتاب وما إلى ذلك فلماذا لا تتم اتفاقية بينهم وبين مؤسسات قومية عربية بحيث تطبع هذه المؤسسات عدد من نسخ الكتاب فى بلدها عبر تبادل الـ " سى دى روم " مثل الطبعة العربية لبعض الجرائد . وهكذا يكون الكتب فى متناول كل قارئ عربى .
على النطاق الشخصى ، فإن الترجمة تمثل لى جسرا مهما فى دراستى فى الأدب المقارن ، وبحكم هذه الدراسة فإنني مهتمة بقدر كبير بالأدب الأمريكى المعاصر ، وقد ترجمت فيه عدد قليل من النصوص منها رواية " منتهى الحظ السعيد " للكاتب الأمريكي المعروف ريتشارد فورد وكذلك رواية " السيد فيرتيجو " للكاتب الأمريكي بول أوستر صاحب ثلاثية نيويورك ، ونشر منهما أجزاء متفرقة . فضلا عن ترجمتى لرواية الكاتب اليابانى المعروف كازو ايشيجورو " فنان فى عالم عائم " والتى سوف تصدر قريبا عن المشروع القومى للترجمة